المعروف و المنكر



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

 ٢٨ ذي الحجة ١٤٤٠هـ


المعروف و المنكر


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


 الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .


السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين .


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا الكرام العلماء ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


بداية شهر محرم الحرام تتجدد فيه أحزان أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحزان كل من يحمل لهم الولاء والمودة . 


نرفع أحر التعازي إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى وصيه ووزيره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإلى مكسورة الأضلاع سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وإلى أبي محمد الحسن المجتبى عليه السلام ، وإلى التسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام سيما بقية الأعظم صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن العسكري (عج) ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات وذلك بمناسبة إستشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء وقتيل العبرات أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، وإستشهاد ساقي عطاشى كربلاء أبي الفضل العباس قمر بني هاشم عليه السلام ، وإستشهاد علي الأكبر والقاسم بن الحسن عليهم السلام ، وإستشهاد الخيرة الطيبة من أصحاب أبي عبدالله عليهم السلام في شهر محرم الحرام .


الآية التي تلوتها في أول خطابي تتضمن دستوراً أكيداً لأمة الإسلام ، بأن تقوم بهاتين الفريضتين دائما ، وأن تكون أمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر أبدا ، لأن فلاحها رهن بذلك وأولائك هم المفلحون ، ما هو المعروف وما هو المنكر ؟؟! 


المعروف هو كل ما يعرف وهو مشتق من عُرْف ، والمنكر كل ما ينكر وهو مشتق من الإنكار .


وبهذا النحو وصفت الأعمال الصالحة بأنها أمور معروفه ، والأعمال السيئة والقبيحة أمور منكرة ، لأن الفطرة الإنسانية تعرف القسم الأول وتنكر القسم الثاني ، وهناك علاوة على الآيات القرآنية الكثيرة أحاديث مستفيدة في المصادر الإسلامية المعتبرة تتحدث عن أهمية هاتين الفريضتين الإجتماعيتين الكبيرتين ، قد أُشير فيها إلى العواقب الخطيرة المترتبة على تجاهل وترك هاتين الواجبتين في المجتمع ، 


روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الأرض وخليفة رسوله وخليفة كتابه» .


وعن الإمام الباقر (ع) : «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتُرد المظالم وتعمر الأرض وينتصف الأعداء ويستقيم الأمر» .


فلهذا يقول الإمام الحسين (ع) في سبب خروجه إلى العراق في رسالةٍ لأخيه محمد بن الحنفية (ع) : «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماُ ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي لك يا أخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» ، 


فإتضح بذلك القول أن سيد الشهداء عليه السلام جعل الحدث الأساسي من قيامه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن هذا الأساس ضمان لبقاء الإسلام ، ينعدم الإسلام بإنعدامه ، فلهذا في ذلك اليوم الذي أحرق القلوب في اليوم العاشر من المحرم في تلك الساعة الرهيبة كان فناء الأعداء بل فناء الوجود حتم لا بد منه لو أن الحسين عليه السلام قال حرفاً واحداُ  (لا)  ، حين عُرضت عليه الشهادة لكنه صلوات الله عليه مع علمه بما يجري على عياله ونسائه من بعده من قتلٍ وحرقٍ وشتمٍ وهوان مما لا يطيق حمله أي رجل غيور فكيف بالحسين عليه السلام وهو حجة الله البطل الشجاع القوي الأمين كما كان أمير المؤمنين عليه السلام ، لكنه عليه السلام قَبِل القتل والشهادة وأبقى بذلك الدين بل على الوجود تشريعاً وتكويناً ، فإنه عليه السلام في هجومه على الأعداء حيث بدأوه بالحرب يحصدهم بيدٍ هي يد الله حتى كاد أن يفنيهم فلم تكن تصل إليه السيوف ولا يصيبه السهام ، في تلك اللحظة سمع هاتفا يقول : «حسين أنسيت العهد الذي بيننا لقد قبلت الشهادة يا حسين» ، فتوقف الحبيب مستسلماً لإرادة المحبوب متكئاً على رمحه وهو يقول : «إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ، يا سيوف خذيني ، تركت الخلق طرا في هواك وأيتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني في الحب إربا لما مال الفؤاد إلى سواك» .


قال حجة الإسلام التبريزي رحمه الله (( ترك مال ترك جان ترك أهل ، ..... ١٣.٣٠ ))


أعني إذا كان ترك المال وترك النفس وترك الأهل لأجلك فهو سهل وسهل لأنك حبيبي ولا غير .


أخواني الأعزاء علينا أن نقتدي بأئمتنا في كل الأمور ، وبطريقة الأولى على العلماء أن يقتدوا بالأئمة الأطهار عليهم السلام في كل أمر (هذا بديهي) ، فمن العلماء الذين إقتدى بأوليائه وكان من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في كل لحظات حياته العلمية والإجتماعية فهو شيخنا الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه ، هو حين يتحدث عن منهجه الفلسفي ومناهج من سبقوه بكل شجاعة يقول : 

«أنا لما لم أسلك طريقهم (يعني النهي عن المنكر) وأخذت تحقيقات ما علمت عن أئمة الهدى عليهم السلام (يعني الأمر بالمعروف) ، لم يتطرق على كلماتي الخطأ ، لأني ما أُثبت في كتبي فهو عنهم ، وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ، ومن أخذ عنهم لا يُخطئ من حيث هو تابع»


وهو تأويل قوله : {سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ} .


نعم هذا هو معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحقيقي في العمل ، يعتقد الشيخ الأوحد بعجز العقل البشري عن التشريع ، فالمرشد للعقل في جميع استنتاجاته هو التشريع السماوي المحفوف بالعصمة الإلهية ، لذلك يجب على العقل إتباع الدليل التشريعي حتى يأمن الخطأ وبالأخص الأمور العقائدية ، وكما أن الشريعة إهتمت بالأمور الصغير  جدا وجعلت لها أحكاما خاصة فمن الأولى الرجوع إلى التشريع الإلهي في الأمور العقائدية ، فهو يعتمد على الحكمة التي إستطاع إستخلاصها من تراث الأئمة الأطهار عليهم السلام ولا إعتبار عنده بما لا تقره أخبارهم ، 


فالعجب كل العجب من الذين ينتقدون الشيخ الأوحد على منهجه في الحكمة الإلهية التي لم يختار من قبله من الحكماء السابقين ،  ويقول في حقه أحد العلماء الكبار كلام الشيخ أحمد الإحسائي لا يفهمه حتى الفقهاء الذين ليس لهم إلمام بالحكمة والعرفان فكيف يفهمه سائر الناس ، 


فهل يصح في حكم الشرع والعقل والإنصاف والوجدان أن تحكم على شخص بالتكفير بمجرد أن كلامه لا يفهمه إلا الخواص ، وطوبى للعلماء الذين دافعوا عن مظلومية الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي في زمانه وبعد وفاته إلى الآن ومنهم السيد الأمجد السيد كاظم الرشتي رضوان الله تعالى عليه ، وآباؤنا وأجدادنا منهم جدي الأعلى آية المعظم آية الله الميرزا موسى الحائري الإحقاقي ، وعمي الأكبر الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المظلوم المجاهد الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سرهم الشريف .


اللهم إجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، اللهم إجعلنا من المحبين للحسين عليه السلام ومن الباكين عليه ومن خدام الحسين عليه السلام بحق محمد وال محمد .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.