خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١٥ جمادي الأول ١٤٣٦هـ
مقام السيدة فاطمة الزهراء (ع)
وحديث الكساء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ» .
السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة ، السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة ، السلام عليك أيتها الغراء ، السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله ورحمة الله وبركاته .
ورد في الحديث القدسي من الباري الحكيم :
«يا محمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما» .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، علماؤنا الأجلاء ، مشايخنا الكرام ، شبابنا المحترمون ، ضيوفنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عظم الله لك الأجر يا صاحب العصر و الزمان في مصاب أمك الزهراء (ع) .
نعيش في هذه الأيام ذكرى وفاة سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة الشهيدة فاطمة الزهراء (ع) ، عظم الله أجورنا و أجوركم بهذه المصيبة العظيمة المؤلمة .
إن الحديث عن شخصية الصديقة فاطمة الزهراء حديثٌ طويل ، ولا يمكن أن نوجزه في خطبة أو في خطب ، بل تحتاج إلى موسوعة ضخمة ، وكل ما سوف أقول عن مقام الزهراء سلام الله عليها ما هو إلا بقدري ، أي بإتساع عقلي و إستيعابه لمقام الزهراء سلام الله عليها ، وليس هو المقام الحقيقي لها ، لأن كلٌ بقدره يكشف له عن مقام الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ، أي كل بحسب قربه وبعده من المبدأ الفياض ، أي محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، يعني من أنوار أهل البيت (ع) ، فمن كان قريب من ذلك النور كان إستيعابه و إستقباله لمقامات أهل البيت (ع) أكبر ، لأن القلوب أوعية ، و أوعيتي أنا قدحٍ صغير ومقاماتهم بحرٌ عميق وموّاج ، أين أنا وأهل البيت (ع) .
فقد قال الإمام الحسن العسكري (ع) في حق جدته : «نحن حجة الله على الخلق ، وفاطمة حجةٌ علينا» .
ولكن حتى لا يسقط الميسور بالمعسور ، إن ذكر أهل البيت (ع) أعظم الأذكار و الأساس في بقاء الوجود فإذا ذكرتهم ذكرت الله ، ومن هذه الأذكار حديث الكساء .
حديث الكساء المروي عن فاطمة (ع) ، وهذا الحديث الشريف يحوي على عجائب لمقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، و من فقراته الشريفة هذه العبارة النورانية :
«فَقالَ الله عَزَّ وَجَلَّ : يا مَلائِكَتِي وَيا سُكَّانَ سَماواتِي ، إنِّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذِينَ هُم تَحتَ الكِساءِ .
فَقالَ الأمِينُ جبرائِيلُ : يا رَبِّ وَمَن تَحتَ الكِساءِ ،
فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ : هُم أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ ، هُم فاطِمَةُ وَأبُوها وَبَعلُها وَبَنُوها»
لماذا قال الجليل «هم فاطمة» ولم يقل هم رسول الله أو علي ؟؟
لماذا أبدأ بفاطمة ؟؟
فأما الجواب في رواية عن رسول الله في بحار الأنوار :
إنه في العوالم الأولية إشتكت الملائكة لله الظلمة الذي عم الفضاء ، فخلق الله فاطمة الزهراء (ع) فأزهرت بنورها السماوات و الأرض ، فأشرقت ببركات أنوارها (ع) على السماوات و الأرض وعلى العرش و الكرسي .
فرأت الملائكة عظمات أهل البيت (ع) فسبحت بتسبيحاتها و هللت بتهليلاتها .
وفاطمة (ع) هي السبب في التعرف على أهل البيت (ع) بأكملهم للملائكة ، فصارت هي (ع) الطريق و السبيل لمعرفة أهل البيت في جميع العوالم الإمكانية و التكوينية ، وكذلك في الحياة الدنيا هي الطريق لمعرفتهم للعالم العلوي ، فجبرائيل و الملائكة ما عرفوا أهل البيت (ع) إلا من طريق فاطمة .
فالجليل جل وعلا يخاطب جبرائيل «هم فاطمة» فيقول له : تذكر الذي عرَّفك أنوارهم في ذاك الزمان كذلك يعرفك أبدانهم في هذه الدنيا وهي فاطمة (ع) .
ولهذا الله تبارك و تعالى قال لجبرائيل «هُم فاطِمَةُ وَأبُوها وَبَعلُها وَبَنُوها» .
ويقول الإمام الصادق (ع) : «جدتي فاطمة الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى» .
في الواقع الله تبارك و تعالى خلق رسول الله وعلي و الحسن و الحسين من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام ، فخلق روحاً وقرنها بأخرى ، فخلق منهما نوراً ثم أضاف النور إلى الروح فخلق منهما الزهراء .
وما خلق السماوات و الأرضين و العرش و الكرسي و الجنة و الحور وغيرها إلا من أنوارهم (ع) ، كما خلقت الأشعة من المصباح ، وكما أن المصباح ركنٌ لوجود الأشعة ، كذلك نور محمد وآل محمد (ع) ركنٌ لآيات الله عز وجل التكوينية و التدوينية في الآفاق و الأنفس . فجميع ما سوى الله سبحانه هو آياته و آثاره عز وجل {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} .
هذا فضل من فضائل سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها العديدة في هذا الحديث الشريف ، فضلاً عن الفضائل الكثيرة في هذا الحديث الشريف هناك ملاحظات أشير إلى نكتة عميقه دقيقة جداً أريد إلتفاتكم إلى هذه النكته ،
حين عرف جبرائيل بأن تحت الكساء رسول الله و أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء و الحسن و الحسين (ع) ، سأل جبرائيل من الله «أتَأذَنُ لِي أن لأَكُوَنَ مَعَهُم سادِساً»
قال عز وجل : «قَد أذِنتُ لَكَ»
فنزل جبرائيل من السماء إلى الأرض إلى بيت فاطمة (ع) فسلم على رسول الله وأهل بيته ،
فقال جبرائيل : إن الله أذن بأن أكون لكن سادساً ، فهل تأذنوا لي .
لاحظ هذه النكته ، لماذا يستأذن جبرائيل من أهل البيت في الدخول تحت الكساء رغم أنه أخذ الإذن من الله ؟؟
فهل هو بحاجة لإذنٍ آخر ؟؟ نعم
نعم لأن الله أمر ذلك {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} ،
والأمر الثاني إن جميع الخلائق مأمورة من الله حتى رسول الله ، أن لا يدخل بيت إبنته فاطمة إلا بعد الإستئذان منها ، فعجباً يا جبرائيل يستأذن الأمين ويدخل الخئون إلى بيتها .
نعم ، لم يستأذن الظلمة في الدخول ، و اندفع القوم إلى بيت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يرعوا حرمةً ، ولا لأبيها المصطفى ذمةً ، وقد رافق الهجوم على الدار بعض الأحداث المخالفة للشرع و الدين و الضمير و الوجدان و الأعراف و السجايا الإنسانية ، ومن تلك الأحداث إحراق البيت و إيذاء الزهراء بضعة رسول الله بالضرب والإسقاط .
نعم ، كان من إمتدادات ذلك الهجوم أن تعرض القوم لفاطمة بنت رسول الله بالضرب مما أدى إلى إسقاط جنينها محسن ، فشكت من إثر ذلك الضرب حتى إلتحقت بربها شهيدة مظلومة ، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة ، والسلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ، إلهي بحق الزهراء وبحق مظلومية الزهراء نور قلوبنا وزد بمحبتها ومعرفتها بحق محمد وآل محمد .
في الخاتمة أشكر و أقدر الجماعة الجميع خاصة وكيلي الأمين معتمدي و رجاي نائبي في الكويت المحبوب الأخ الفاضل الأمين الشيخ عبدالله نجم المزيدي أبو صادق حفظه الله ، كما أشكر خدمات وكيلي الأمين الموفق معتمدي ورجاي في المملكة العربية السعودية الإحساء و الدمام وغيرها وهو جناب الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله ، هما وحيدان في الوكالة و النيابة واستلام الحقوق الشرعية ولا ثاني لهما ، أمرهم نافذ وأحكامهم متبع لأن أعمالهم أعمالي و تصرفاتهم تصرفاتي ، آراءهم آرائي و كلماتهم كلماتي ، حفظهم الله من كل مكروه .
نذكر علمائنا الماضيين ، منهم عمي الأكبر الحاج ميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي آية الله المعظم خادم الشريعة الغراء المظلوم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي .
أوصيكم بتقوى الله و التجنب عن الشياطين و توحيد الكلمة والحنان و العطوفة و حسن الخلق و العفو ، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .