السيدة زينب (ع) وأهل البيت (ع) هم باب حطه



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٥ جمادي الأول ١٤٣٥هـ


السيدة زينب (ع) 

وأهل البيت (ع) هم باب حطه


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله رب العالمين «السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ» .


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} (سورة العنكبوت:١-٣) .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا الكرام ، ضيوفنا القادمون من الإحساء وسائر المناطق ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


أهنئكم بمناسبة ولادة الحوراء زينب بطلة الأرض و التاريخ ، عقيلة الطالبيين ، بنت أمير المؤمنين عليها السلام ، التي قدَّر الله سبحانه لها عليها السلام في قديم علمه أن تحفظ له دينه وتحوط له شريعته بعد مقتل وليه ، وهذا لعمري مقام الأنبياء وشأن ذوي العزائم الكبيرة من الرسل و الأولياء ، الذين أناط الله بهم هداية الناس إلى سبيل الحق ، وصيانتهم عن طريق الضلال .


  • الشخصية التي لها خصائص كثيرة وسمات عالية تدل على جلالة قدرها عند الله تبارك وتعالى :


أولها / نزلت تسميتها من السماء من قبل الله .


و الثاني / الإستجابة الفورية لدعائها و قضاء الحوائج منها عليها السلام في بعض المواقف بصورة عاجلة دون أي تأخير ، هذه ميزة كانت معهودة للأنبياء و الأوصياء ، وأما أن تتمتع زينب عليها السلام بهذه الصفة فهذا يدل على عظمتها وسمو منزلتها عند الله . 


  • ومن جهة علمها :

 إن علمها عليها السلام علم إفاضةٍ و إلهام من قبل الحق تعالى عن طريق أوليائه الطاهرين ، وبذلك إستحقت أن يطلق عليها الإمام زين العابدين (ع) هذا اللقب ، 

فيقول لعمته زينب : «أنت بحمد الله عالمةٌ غير معلمة ، وفهمةٌ غير مفهمة» ، يعني علمها ليس علماً كسبياً تحصيلياً من طريق الدرس و التعليم ، بل هو من فاضل علم أهل بيت العصمة و إنعكاسٌ صادق لإشراقاتهم النورانية على من شاءوا (ع) .


نأمل من الله تبارك و تعالى أن يوفقنا زيارة مضجعها مرةً أخرى في الشام في زمنٍ عاجل ، بحقها عليها السلام و التشيع و الديانة (لذكرها صلوات) .


ورد في السورة التي تلوتها في أول عريضتي ، على ما يستفاد من أولها و ختامها و السياق الجاري فيها أن الذي يريده الله سبحانه من الإيمان ليس هو مجرد قولهم : (آمنا بالله) ، 

بل هو حقيقة الإيمان التي لا تحركها عواصف الفتن ولا تغيرها غِيَرُ الزمن ، وهي إنما تتثبتُ و تستقرُ بتوارد الفتن وتراكم المحن . 


فالناس غير ممسوكين بمجرد أن يقولوا : (آمنا بالله) دون أن يفتنوا و يمتحنوا ، فيظهر ما في نفوسهم من حقيقة الإيمان أو وصمة الكفر ، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} .


فالمؤمن يُكلف بعد الإيمان بالشرائع ، ويمتحن في النفس والمال ويمنى بالشدائد والهموم والمكاره ، فينبغي أن يوطن نفسه على هذه الفتنة ليكون الأمر أيسر عليه إذا نزل به .


ثم أقسم سبحانه وقال : {وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي ولقد إبتلينا الذين من قبل أمة محمد من سالف الأمم بالفرائض التي فرضناها عليهم أو بالشدائد والمصائب على حسب إختلافهم ، وذكر ذلك تسليةً للمؤمنين ، فالفتنة والمحنة سنةٌ إلٰهيه لا معدل عنها {وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} .


تجري في الناس الحاضرين كما جرت في الأمم الماضيين كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، فاستقام منهم  من استقام وهلك منهم من هلك ، {وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .


وفي حديث في أصول الكافي يقول المعصوم (ع) : «يفتنون كما يفتن الذهب» 

ثم قال : «يخلصون كما يخلص الذهب»

وقال أمير المؤمنين لما بويع بالمدينة : «وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ» .


قال عليٌ عليه السلام هذا الكلام في زمن قد بايع الناس في أوائل حكومته ، وكانوا منتظرين كيف يقسم بيت المال و المناصب ، هل هو يقسم كما في السابق أو على منهج العدالة المحمدية ؟؟


ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة قوله (ع) : «وَالبابُ المُبتَلى بِهِ النَّاسُ، مَن أتاكُم نَجا وَمَن لَم يأ تِكُم هَلَكَ» ، المراد بالباب باب حطه . 


يشير بباب حطه في قول بني إسرائيل ، و المراد الباب الذي مبتلى به بني إسرائيل وأمروا بدخوله راكعون ، 

قال رسول الله : «إنما مثل أهل بيتي فيكم ، كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» ، ومثل باب حطه من دخله نجا و من لم يدخله هلك ، 


قال أمير المؤمنين (ع) : «هؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة وأنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد عليه السلام ، وأمرتم باتباع هداهم ، ولزوم طريقتهم ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم ، وليزداد المحسنون منكم ، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم ، لأن ذلك كان بأخاشيب ، ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون الهادون الفاضلون» .


وفي الخصال قال عليٌ عليه السلام : «وأما العشرون : فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يقول لي : " مثلك في أمتي مثل باب حطة في بني إسرائيل ، فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره الله عز وجل " .


وعن الباقر أنه قال : «نحن باب حطتكم» .


و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، و المراد بالباب المبتلى به الناس كما ذكرنا باب حطه ، وهم باب حطه هذه الأمة كما قال عليه السلام : «نحن باب حطتكم» ، بل باب حطه كل الخلق .


باب حطه كل الخلق من الحيوانات والنباتات و الجمادات ، لأنهم هم باب الله المنيع الذي لا يقابل ولا يحاول الذي ذل له كل شيء و قد أخذ الله سبحانه الميثاق على جميع خلقه الصامت منهم و الناطق بقبول ولايتهم ، فمن قبلها صلح ، ومن لم يقبلها فسد .


وباب حطه الذي في بني إسرائيل مثلهم لبني إسرائيل ، ولهذا مثل سبحانه عليه مثل محمد وعلي (صل الله عليهما و آلهما) هذا ما يظهر للناس ، والذي يشاهده الخواص أن مثال محمد و علي وآلهما (صل الله عليهما و آلهما) ألقى الله سبحانه في هوية كل مخلوقٍ من الصامت و الناطق ، وإلى يعني إشارة لقول جعفر ابن محمد (صلوات الله عليه) : «فيا عجباً كيف يعصى الإله ، أم كيف يجحده الجاحد ، وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد»


وذلك من قوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} ، 

فقال الصادق (ع) : «نحن الآية التي أراكم الله إياها» .


فمن المعلوم أن الآية المباركة من سورة البقرة {وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} نزلت في قوم موسى (ع) ، حيث فرض الله تعالى عليهم أن يدخلوا من باب البيت المقدس في حالة الخشوع و الخضوع ليغفر لهم ، وإلا يحرمون المغفرة و تستحوذ عليهم الشقاوة و الخسران ، فضربها نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً لأمته بتشبيهه علياً (ع) بالباب المذكور .


كما نقل ذكر ذلك كبار أهل السنه كصاحب الجامع  الصغير عن ابن عباس يقول : «عليٌ باب حطه ، من دخل منه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافرا» ، وعلَّق المناوي على ذلك : أي أنه سبحانه وتعالى كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سبباً للغفران ، جعل لهذه الأمة مودة علي و الإهتداء بهديه و سلوك سبيله وتوليه سبباً للغفران ودخول الجنان و نجاتهم من النيران . 


أعزائي هذا عقيدتنا وعقيدة آباؤنا و علماؤنا ، اليوم نفتخر بعلمائنا الماضيين الذين دخلوا من باب حطه ، باب الرحمة ، باب الرحمة المفتوحة ، يعني دخلوا ولاية علي ابن أبي طالب و أولاده المعصومين الأحد عشر (ع) ، وأخذوا العلوم الإسلامية الأصلية من معدنها و أصلها و مخزنها ، ونشروها في مغارب الأرض و مشارقها ، ونحن مدينون لهؤلاء العلماء الذين لم ينحرفوا من سبيل أهل البيت (ع) في المعارف كلها من الفقه و التفسير و الحكمة و الأخلاق إلى سائر العلوم ، وما نقلوا إلا منهم ، ولم يتطرق في كلامهم الخطأ ، ولم يخط حرفاً إلا من وحي علوم محمد وآل محمد .


ومنهم شيخنا الأوحد الأجل أحمد بن زين الدين الإحسائي (لذكره صلوات) ، وسيدنا الأمجد السيد كاظم الرشتي ، و الميرزا حسن الگوهر ، ونذكر آباءنا الذين عرَّفوهم بنا منهم آية الله المعظم عمي الأكبر الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، و جدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المجاهد خادم الشريعة الغراء آية الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي . 


ونختم كلامنا بحديث من الرسول الأكرم : «رحم الله من حفظ لسانه ، وعرف زمانه ، و استقامت طريقته» ، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .