فضل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأخلاق و العقل و الشهوة



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٢٥ ربيع ١٤٣١


فضل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 

الأخلاق و العقل و الشهوة


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .


نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام قطب الإمكان ونور الأكوان وخليفة المُلك والمُرتجى لإزالة الجور والعدوان ورحمة الله الواسعة صاحب العصر والزمان (عج) بمولد سيد الأنوار وسليل الأخيار ومخلِّص البشرية من النار ورسول الرب الغفار أبي القاسم محمد ، ومولد حفيده رئيس الملة والدين خازن علم الله وترجمان وحيه ومظهر دينه سادس إشراق من أنوار الإمامة الإمام جعفر بن محمد الصادق . 


الأمة الإسلامية عامة وشيعته خاصة .


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه في سورة القلم لرسوله {وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال النبي الأكرم : «إني بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» .


أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا العظام ، أهل المعرفة والإيمان والولاية ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


خلق الله الإنسان بين مناقبية العقل وجاذبية الشهوة ونصب فيه إرادة الإقدام والإحجام ، ثم هداه الطريق {إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً} ،


قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : «إن الله عز وجل ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل ، وركّب في بني آدم كليهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرٌ من البهائم»


فالإنسان إذاً موجود مخيَّر يفكر ، ويعمل ، ويتصرف ما يشاء ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وهنا إن كان التنافس إيجابيا كما رسمت له الأخلاق الإسلامية فسوف يكون التقدم إيجابيا أيضا ، وإذا صب المتنافسون جهدهم في قنوات سلبية يكون التأثير على المجتمع سلبيا كذلك ، وأما الأخلاق الإسلامية ما هي ؟؟


كان فلسفة بعثة الأنبياء في القرون الماضية من آدم إلى الخاتم هو تربية الإنسان ، لأن الإنسان عصارة الوجود وأشرف المخلوقات ، إن صلح الإنسان صلح العالم ، وإن فسد الإنسان لفسد العالم .


كان يجاهد الأنبياء كلهم أن يرشدوا الموجودات إلى الصراط المستقيم وفقا لفطرتهم { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} .


في الواقع جعل الله تبارك وتعالى الأنبياء أسوة حسنة لإرشاد الناس إلى الصراط الذي هو رسمه لسعادة الإنسان ، لأن الله تبارك وتعالى هو خالق الإنسان وطبعاً يحب الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة للإنسان ، ولذلك أرسل الأنبياء ليكونوا نموذجاً ممتازاً لهداية الإنسان .


أعزائي النبوة ليست بالإدعاء ولا بإختيار الناس ولا بالرياضات النفسانية وغيرها ، بل بإختيار من الله تبارك وتعالى ، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} ولا بد للنبي والرسول من القابلية والإستعداد ، واللياقة الذاتية للسفارة الإلهية ، وكما يأخذون الوحي ويوصلون أحكام الله إلى البشر هم يتخلقون بالأخلاق الحسنة ، الأخلاق التي يميل الإنسان فطرةً إلى جانبها ، وهذه الأخلاق في ثلاث أقسام : 

الأخلاق الإلهية ، والأخلاق الفردية ، والأخلاق الإجتماعية . 


قد يتعامل الإنسان مع الله وهو يسمى هذه الأخلاق بالأخلاق الإلهية ، كالمعرفة لله ، الخضوع ، والخشوع  ، الشكر ، الخوف من الله ، الإيمان ، التوكل من الأخلاق الإلهية .


 وقد يتعامل مع نفسه ويسمى هذه الأخلاق بالأخلاق الفردية كمثل التقوى ، التواضع ، حسن الخلق ، الحلم ، الشجاعة ، العزة ، والعفة .


وقد يتعامل الإنسان مع المجتمع  ويسمى هذه الأخلاق بالأخلاق الإجتماعية كالعدل ، والإحسان ، رعاية حقوق المقابل ، إصلاح الجماعة ، حفظ شخصية الأفراد ، آدب المعاشرة ونظيرها من الأخلاق الإجتماعية .


وتُكْمِل هذه الأخلاق الثلاثة الأخلاق العلوية الولائية .


هذه الأخلاق الحسنة كلها موجودة في الأنبياء الأولين والآخرين ، لأن الإنسان محتاج لقائد معصوم في كل الأحيان ، ولا يستغني عن الإمام الراشد والمُهْدي أبدا ، وما خلق الله عز وجل خلقا أفضل من نبينا الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله ، وهذا فضلٌ ورحمةٌ وكرمٌ ومرحمةٌ ونعمةٌ لنا ، وتجتمع هذه الأخلاق الفاضلة بأتمها وأكملها في رسول الله والأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين ، 


كما يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : قال رسول الله : «ما خلق الله عز وجل خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، 

قال علي صلوات الله عليه : فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرائيل 

فقال يا علي إن الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه المرسلين على الملائكة المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، وأن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه لأن أول ما خلق عز وجل أرواحنا فإنتقلنا بتوحيده وتحميده…» وإلى آخر الحديث الشريف .

 

نعم أعزائي ، كما أن الله تبارك وتعالى خلق العالم الأصغر وجعل الوعي له قائداً ومدبراً يدير أمور الجسم والروح بأمره تعالى ، كذلك جعل للعالم الأكبر قائداً ودليلاً ومديراً  ومدبراً ، ربط بين جميع أصناف المخلوقات في ظل هذا التدبير وهذا كله بيد العقل الكلي والصادر الأول ، 


لقد جعل سبحانه هذا الموجود الممتاز وعي عالم الكون ومَظهر قدرة ذي الجلال ، ونَموذجاً كاملاً لصفات الجلال والعظمة ، والواسطة بين الخالق المتعال والخلق ، يكتسب الفيض ليوصله إلى المخلوقات الخاضعة تحت تدبيره ، ومروي عن رسول الله «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر» ، وقد نصّب الله عز وجل رسوله الأكرم محمد بن عبدالله وعليا وآله الطاهرين عليهم السلام معلمين للتوحيد ، و حافظين للدين ومفسرين للقرآن ومعرِّفين للإسلام ومربين للبشر «الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ، ولا يمكن الوصول إلى علومهم والفوز من آثارهم والتمتع من أسرارهم إلّا بالوسائط التي هم عيَّنوها ونصَّبوها بينهم وبين العباد أعني العلماء العاملين المجاهدين والملتزمين بالتقوى والعدالة من زمانهم إلى زماننا هذا وإلى يوم قيام بقية الله في الأرض مولانا ومقتدانا الحجة بن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان (عج) ، كأمثال الكليني والطوسي والمفيد والصدوق والشهيدين والعلّامتين ومن أعاظمهم وأكابر العلماء الإمامية من حيث العلم والعمل والتقوى والأخلاق الحسنة شيخنا الأوحد أستاذ الحكماء المتألهين معلم الفقهاء مولانا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، نفعنا الله تبارك وتعالى بأنوار علومه في الدنيا ورزقنا شفاعته في الآخرة ، الذي أخذ العلوم من أشعة إشراقات معارف أئمتنا المعصومين وشرب من زلال عيون آثارهم حتى أصبح مفتاحاً لعلومهم وحاملاً لأسرارهم ومظلوماً لأجلهم لذكره صلوات .


يا أهل المحبة والوفاء يا أهل الولاية والصفاء يا أهل الشجاعة والسخاء ، علينا أن ندافع عن شيخنا المظلوم وعن عقائده النورانية وحكمته الإلهية التي نشأت من آثار أهل البيت عليهم السلام كما دافع عنه آباؤنا وأجدادنا ، ومنهم الآيات العظام جدي الأكبر الحاج الميرزا موسى الحائري الإحقاقي ، وعمي الأكبر الحاج ميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الأعظم صاحب الأخلاق الكاملة الإسلامية الولائية العلوية الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المظلوم محيي علوم الشيخ المجاهد الكبير الحاج الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، وسائر العلماء الماضين في الأحساء وسائر البلاد الإسلامية ، وأيضا أقدر مشايخنا العظام في الأحساء أرض الولاية خصوصا العالم المتقي نور بصري الشيخ توفيق البوعلي حفظه الله ، وفي الكويت المحبوب معتمدي ورجاي العالم الفاضل الشيخ عبدالله نجم المزيدي ، وفقهم الله وسدد خطاهم في طريق أهل البيت (ع) .


أعزائي في الخاتمة أوصيكم بالتقوى والمحبة والتعاون والتخلق بالأخلاق الإسلامية العلوية والولائية والصبر والمصابرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .