خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٢٧ شعبان ١٤٢٩هـ
الصوم أفضل الأعمال
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير و السراج المنير أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين آمين يا رب العالمين .
أيها المكرمون ، و أيتها المكرمات ، مشايخنا العظام أصحاب الفضيلة ، ضيوفنا المحترمون جاؤوا من الإحساء أرض الولاية و المحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال إمامنا المهدي (ع) صاحب العصر و الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف : «إنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم الأواء واصطلمكم الأعداء ، فاتقوا الله جل جلاله ، وظاهرونا …» .
وأيضا قال : «فليعمل كل إمرء منكم بما يقرب من محبتنا ، وليتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا ، فإن أمرنا بغتة فُجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة»
وأيضا قال : «فإتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ، ولا تحاولوا كشف ما غطِّيَ عنكم وإجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة» صلوات على محمد وآل محمد .
أحمد الله جل جلاله وفقني بأن أكون في هذا المجلس العظيم في هذا الشهر المعظم ، هذا شرف لي وأفتخر به ، مبارك عليكم الأعياد الشعبانية .
الأيام الشعبانية ولياليه كلها عيد ومبارك لأن شعبان منتصب لرسول الله الأعظم ، والله تبارك وتعالى يفتح أبواب رحمته ويدعو الناس إلى ضيافة شهر رمضان المبارك في هذا الشهر المعظم ، كما أن الضيف يهيئ نفسه قبل الضيافة كذلك علينا أن نهيئ نفوسنا قبل الورود بهذه الضيافة العظيمة بالتقوى والتجنب عن المعاصي وبالأعمال الصالحة .
الروايات الثلاثة التي قرأتها ، يؤكد إمامنا فيها صاحب العصر والزمان على التقوى ، وتؤكد الآلاف من الروايات الصحيحة عن المعصومين على التقوى .
الله تبارك وتعالى يرشد الناس إلى التقوى في القرآن الحكيم بأسهل الطرق {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، لقد تلطف الحكيم جل وعلا رحمة وإحسانا على هذا العبد فأوجب عليه صيام شهر رمضان ، وجعل غاية لعبادة الصوم وهي التقوى ، فالتقوى هي نتيجة فريضة الصوم ويُحصّل الإنسان المتقي سعادة الدنيا والآخرة بالتقوى ، يبحث أغلب الناس عن ملاك الفضيلة والرجحان في الأعمال من بين الأعمال الإيجابية والمشاريع الخيرية ، ولكن الرسول الأعظم صلوات الله عليه يهتم بالجانب السلبي ويعتبر أفضل الأعمال هو الابتعاد عن الذنوب ، ذلك أن النبي بمثابة طبيب روحي للبشرية ، وقد أرسله الله تعالى لضمان سعادة الإنسان وبما أن الطبيب يسلك منهجان : إحداهما إيجابي ، والآخر سلبي .
الإيجابي يتمثل في تناول الأدوية ، والسلبي يتثمل في الحمية من الأطعمة الضارة ، كذلك النبي إنه يولي الجانب السلبي إهتمامه ، وهكذا نجد أن الحمية في منهج الأطباء تقابلها التقوى في المصطلح القرآني وسبيل الأنبياء ، وإلى هذا اشار القرآن الكريم في علة تشريع الصوم فقال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وأما من الجانب الإيجابي ، كما أنه الضيف بعد أن يغسل جسمه يرتدي أحسن ملابسه قبل الضيافة ، أيضا المؤمن المتقي يعمل أحسن الأعمال قبل الضيافة و حينها وبعدها ، فيجب في المرحلة الأولى أن يتجنب خصائص البهائم ، ثم يتحلى بالأخلاق الفاضلة التي هي بمنزلة الأطعمة المفيدة لعلاجه ، وهكذا توجد فيه العفة والأمانة والكرم والسخاء والصبر والحياء ومواساة البؤساء والمساكين وإيثارهم على نفسه ، هذه هي الخطوات الأولى للعبادة والتوجه إلى المحبوب والإشتغال بذكره وتلاوة القرآن {وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
مروي عن رسول الله الأكرم لذكره صلوات قال : «أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام» .
من أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ، من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «عليكم في شهر رمضان بكثرة الإستغفار والدعاء فأما الدعاء فيدفع عنكم البلاء وأما الإستغفار فيمحي به ذنوبكم» .
وقال رسول الله : «أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي» .
أعزائي إحياء ليالي القدر الثلاث من أفضل الأعمال في هذا الشهر المبارك فتوسلوا بالمعصومين الأربع عشرة في هذه الليالي المباركة وأطلبوا منهم الإستقامه في طريقتهم التي تعلمنا المشي فيها من مدرسة شيحنا الأوحد أحمد بن زين الإحسائي (قدس) .
وقد تحمل آبائنا وأجدادنا مصاعب كثيرة ومؤثرة لحفظ هذه المدرسة المباركة الحيدرية العلوية الأوحدية ، والدفاع عن كيانها منهم عمي الأكبر آية الله المعظم الحاج الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي المظلوم آية الله المجاهد العلامة الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، تغمدهم الله برحمته .
وحاليا هذه المسؤولية العظيمة متوجهة إلى مشائخنا الكرام وفضلائنا في الكويت والإحساء وسائر البلاد ، خاصة الأخ الأكبر معتمدي ورجاي أبو صادق عبدالله نجم المزيدي في الكويت ، والعالم العامل الشيخ البوعلي في منطقة الإحساء ، حفظهم الله من كل سوء .
وفي الخاتمة نطلب من الله أن نستفيد من فيوضات هذا الشهر المبارك تحت راية مولانا ومقتدانا صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن العسكري (عج) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .