معرفة الله



خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

٩ ربيع الآخر ١٤٣٣


معرفة الله


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم و مبغضي شيعتهم من الآن إلى قيام يوم الدين ، أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .


قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} صدق الله العلي العظيم .


إخواني المؤمنين ، و أخواتي المؤمنات ، علمائنا المكرمين ، مشايخنا العظام ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .


أهنئكم بميلاد الإمام الحادي عشر أبي الحجة المنتظر الحسن بن علي العسكري الزكي ، الآية المباركة التي تلوت في أول خطابي ، و الروايات الواردة عن المعصومين (ع) في هذا المجال تشير أن قبلة المسلمين هي الكعبة الكائنة في المسجد الحرام ، أعني القبلة هي الكعبة المشرفة الكائنة بمكة المكرمة المعروفة المعينة التي يقال لها بيت الله ، يجب على القريب المشاهد أو ما في حكمه إستقبال عين الكعبة ، وأما البعيد فيجب إستقبال جهتها ، فمن كان منحرفاً عنها في صلاته عالماً عامداً بطلت صلاته ، وفي حكمٍ شرعيٍ آخر ، الذبح و النحر إذا كان إلى غير القبلة عالماً عامداً حرام ، ومن أعمال الحج ، الحاج يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت ، أعني الكعبة سبعاً ، وفي تلقين الميت نقول الكعبة قبلتي .


لا شك أن التوجه إلى المعبود و استقباله من العبد في عبوديته روح عبادته ، التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها و استقرار تحققها .


في تفسير الآية المباركة : {وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} ، قد كان الوثنيون وعبدة الكواكب وسائر الأجسام من الإنسان وغيره ، يستقبلون معبوداتهم وآلهتهم و يتوجهون إليهم بالأبدان في أمكنه متقاربة ، لكن دين الأنبياء ونخص بالذكر من بينها دين الإسلام الذي يصدقها جميعاً وضع الكعبة قبلةً ، وأمر باستقبالها في الصلاة التي لا يُعذر فيها مسلمٌ أينما كان من أقطار الأرض و آفاقها ، ونهى عن استقبالها و استدبارها في حالاتٍ و ندب في ذلك في أخرى ، فاحتفظ على قلب الإنسان بالتوجه إلى بيت الله ، وأن لا ينسى ربه في خلوته و جلوته وقيامه وقعوده ومنامه و يقظته و نُسكه وعبادته حتى في أخس حالاته وأرداها ، فلا يجوز التوجه في العبادات إلا إلى الله الواحد الأحد ولا معبود سواه ، {وَ قَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} ولا يليق للعبادة إلا هو ، خالق السماوات و الأرض ، و أهلَ الكَبرياءِ وَالعَظَمَةِ ، وَأهلَ الجودِ وَالجَبَروتِ ، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .


في الواقع ، التوجه إلى الكعبة المكرمة ، وقبلها إلى البيت المقدس ، ليس إلا توجهُ العباد إلى نقطةٍ شريفةٍ مقدسةٍ معينة جامعةٍ للشتات مانعةٌ عن التفرق ، داعيةٍ إلى النظام المطلوب ، والمقصود هو الله ، {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، حتى الأعمال التي تكون فيها مثقال ذرة لغير الله لا ترفع ولا تُقبل بل تكون بعداً من الله ، {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ، 

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى

أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي

وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا


أما اللقاء و العبادة لا تكون إلا بعد المعرفة ، لأنها فرعها ولكنه تعالى لا يعرف من جهة ذاته بل من جهة آثاره و آياته ، نعم ، إن معرفة الله بسبيل أنبيائه و رسله و عباده الصالحين و بالأخص إذا عرف من مقامات سيدهم و أكثرهم علماً وأجلهم شأناً و أرقاهم رتبةً الذي {دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} ، فكان من ربه من القُرب ما لم يَصل إليه أحدٌ ، فمعرفة هذا الوجود الكامل و أهل بيته المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا ، و جعلهم بمنزلة نفسهِ و خلفائهِ و أوصيائه ، وقد ورثوا علمهُ و حلمهُ ومراتبهُ المنيعة إلا النبوة وكلٌ آية الله العظمى و حججهُ الكبرى صفاتهُ العليا ومصادرُ فيضهِ و مظاهرُ عدله و مرائي جمالهِ ومحالُ حيثيتهِ و أفعاله تنتهي إلى معرفة الله


وقال المعصوم عليه السلام : «بنا عرف الله ، و بنا عبد الله ، و لولانا ما عرف الله ، و لولانا ما عبد الله» ، «مَن عَرَفَهُم فَقَد عَرَفَ اللهَ» ، ومن أحبهم فقد أحب الله و من أبغضهم فقد أبغض الله ، لأنهم وجهُ الله الباقي ، وأذنُ الله السامعة ، وعينهُ الناظرة  ، ولسانهُ الناطق ويدهُ الباسطة .


السَّلامُ عَلى أئِمَّةِ الهُدى وَمَصابِيحِ الدُّجى وَأعلامِ التُّقى وَذَوي النُّهى وَأُولي الحِجى  وَكَهفِ الوَرى ، السَّلامُ عَلى الأئِمَّةِ الدُّعاةِ وَالقادَةِ الهُداةِ وَالسَّادَةِ الوُلاةِ وَالذَّادَةِ الحُماةِ وَأهلِ الذِّكرِ وَأُولي الأمر وَبَقِيَّةِ اللهِ وَخِيَرَتِهِ وَحِزبِهِ وَعَيبَةِ عِلمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ وَنُورِهِ وَبُرهانِهِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .


أعزائي كما أن التوجه إلى الكعبة المكرمة ليس إلا توجه العباد إلى نقطةٍ شريفة جامعةٍ للشتات و مانعةٍ عن التفرق ، العناية و التوجه إلى مدرسة الأوحد ليس إلا توجه أبناء هذه الجماعة إلى نقطة شريفة التي تشير إلى معرفة المعصومين الأربعة عشر و بالتالي المعرفة إلى الله


و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ} ، لأن علماء هذه المدرسة العلوية الأوحدية الحيدرية ، أخذوا العلوم من أشعة إشراقات معارف أئمتنا المعصومين ، و شربوا من زلال عيون آثارهم حتى فازوا بالنصيب الأعلى و أصبحوا مفاتيحاً لعلومهم و لأسرارهم و ناشرين لفضائلهم و مدافعين عن حقهم و مظلومين لأجلهم ، ومن رأسهم شيخنا الأوحد وملاذنا الأمجد و مقتدانا المؤيد مولانا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المطيرفي ، و السيد الأمجد  العلامة الكبير السيد كاظم الحسيني الرشتي ، و الميرزا حسن الگوهر و السائرين بذكرهم صلوات ، نفعنا الله تبارك و تعالى بأنوار علومهم في الدنيا و شفاعتهم بالآخرة .


و نذكر آباءنا و آباءكم و العلماء الماضين الذين زرعوا بذرة الولاية في قلوبنا ، منهم عمي الأكبر محيي الشهادة الثالثة في الكويت المحبوب آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، و جدي الأكبر الإمام المصلح و العبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، و والدي المجاهد محيي علوم الشيخ آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي .


و أقدر الجماعة كلهم وعلى رؤوسهم وكيل المرجعين العالم العادل الأمين أبو صادق عبدالله نجم المزيدي في الكويت ،  و وكيلنا الأول العالم الفاضل العامل الشيخ توفيق البوعلي في منطقة الأحساء و الدمام و القطيف و الخبر و سائر المناطق ، و سائر مشائخنا الحاضرين في المجلس وعلماء الإسلام في مشارق الأرض و مغاربها (لذكرهم صلوات) . 

 

اللهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ 

اللهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ 


اللهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ بِحُضُورِ مولانا و مقتدانا صاحب العصر و الزمان روحي و أرواحنا له الفداء ، وَعَجِّل لَنا ظُهُورَهُ إنَّهُم يَرَونَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ .


و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته