خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١ ربيع الأول ١٤٣٠هـ
حديث الثقلين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، حبيب قلوبنا و طبيب نفوسنا البشير النذير و السراج المنير أبي القاسم محمد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين ، واللعن الدائم على أعدائهم و مخالفيهم وغاصبي حقوقهم من الآن إلى قيام يوم الدين أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .
قال علي أمير المؤمنين عليه السلام على قبر رسول الله صلوات الله عليه ساعة دُفن : «إن الصبر لجميل إلا عنك ، وإن الجزع لقبيح إلا عليك ، وإن المصاب بك لجليل ، وإنه قبلك وبعدك لجلل» .
عظم الله لكم الأجر ، وتقبل الله أعمالكم في مصاب رسول الله ، ومصاب ولديه ، الإمام الحسن ، والإمام الرضا ، وذكرى أربعين الحسين (عليهم آلاف التحية و السلام) .
السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك أيها الإمام المجتبى ، السلام عليك أيها الإمام الرضا ، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين (بذكرهم صلوات) .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : «إني تارك فيكم الثَقلين أو الثِقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» .
أيها المكرمون ، وأيتها المكرمات ، مشايخنا الكبار وعلمائنا المحترمون ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لما رأى رسول الله أنه مشرف على الإنتقال من هذه الدنيا ، جعل نفسِه بمنزلة المسافر الذي ينتقل من منزل إلى آخر ، ووصف الكتاب والعترة في هذا الحديث الشريف فجعلهما كالمتاع للمسافر ، لأنهما كانا أقرب و أثمن شيء لديه ، لذا سماهما الثَقلين ، لأن الثَقلين مُثنى الثَقل ، و الثَقل في اللغة بمعنى المتاع والحَشَمِ المسافر ، أو بمعنى الشيء النفيس والثمين ، وقد عبر رسول الله عن القرآن الكريم ، والعترة المعصومين عليهم السلام بكلمة الثَقلين ، لأنهما أنفس شيء من الموجودات لديه .
وأما إذا نتلفظ بالثِقلين ، الثِقلين مُثنى الثِقل ، بمعنى الشيء الثقيل ذي الوزن الكبير ، لأن العمل بأحكام القرآن والإلتزام بمحبة أهل البيت عليهم السلام ، أمران خطيران ، ووظيفتان مهمتان ، خاصة أن الولاية مرجع كلٍ من القرآن وأهل بيت العصمة والطهارة ، وهي من أهم وأصل الأمور في الدين الإسلامي الحنيف ، ومن اتبعهما كان على الهدى ومن تركها كان على الضلالة .
إن هذا الحديث الشريف مع انه مختصر في متنه ، ولكن بما أنه جرى على لسان رسول الله (صلوات الله عليه) المبارك وهو بمنزلة الوحي ، فهو للمتتبع الدقيق مليء بالمضامين والمعاني العميقة و البديعة جداً ، ومنها أن القرآن وأهل البيت عِدلان ، وأحدهما بديل وعدل للآخر ، لأن القرآن مع أهل البيت ، وأهل البيت مع القرآن ، لا يفترقا أبدا ، وإذا دققنا النظر ببصيرة ، فسنصل إلى أن أهل البيت هم أفضل وأعلى من القرآن ، لأن القرآن الكريم هو الوجود التدويني ، وأهل البيت عليهم السلام هم الوجود التكويني لأي شيء ، وهو أفضل وأعلى من الوجود التدويني له .
كما ذكرت أن المصطفى من مدلول هذا الحديث الشريف ، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ذكر هذا القول في حال الوصية ، خصوصاً ما ورد في بعض الأحاديث ، حين عبَّر عن هاتين الأمانتين العظيمتين بلفظ الخليفة ، وقال : «إني تاركٌ فيكم خليفتين» ، فلا يبقى لأحد بعد ذلك شكٌ في أن الخليفة بلا فصل لرسول الله هو القرآن وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .
ولكن بعد رحيل النبي العظيم عن الدنيا ، لم يُعمل للأسف الشديد بالوصية الصريحة و الواضحة بل حدث العكس .
من ذلك في هذه المسألة الهامه ، فكان لهذا العمل المفجع و الظالم ، أن غير مسار التاريخ و المقدرات البشرية في غير الإتجاه الذي أراده النبي صلوات الله عليه {وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
أعزائي ، حقيقة يحترق قلب كل مؤمن لهذا الأمر ، لماذا يجلس على كرسي الخلافة أشخاص لا يستحقون بها ، كيف يمكن أن يكون أمير المؤمنين علي (ع) جليس الدار ، وهو أول من آمن برسول الله صلوات الله عليه !!
وكان له الدور الأساسي و الكبير في معارك الإسلام مع الكفر ، وهو من نودي بحقه في السماء ، «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار» ، أو من قال في حقه النبي الأعظم : «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» ، ومئات الروايات المتفق عليها ، كيف يمكن لهكذا إنسان ملكوتي ، مليئٌ إيمانا ، وتوحيدا ، وسخاءا ، وعدالة ، وشجاعة ، وعبادة ، وشرفا ، وعلما ، أن يكون جليس الدار ، وزوجته ، وهي بضعة النبي صلوات الله عليه ، ونور عينيه ، الوحيدة الباقية من ذريته ، تضرب ، وتمرض ، وتموت بذلك الضرب العظيم ، ويظلم أولادها الأطهار جميعا ، ويستشهدون ، ظلما ، وعدوانا ، وفي مقابل ذلك نجد أمثال مروان ، ومعاوية ، والوليد ، يتصدون لأمور المسلمين .
نعم أعزائي إن هذه الدنيا هي دار الإمتحان ، يتعرض فيها الجميع للإختبار والإمتحان أمام المضامين الإلٰهية ، يقول الله عز وجل في سورة العنكبوت المباركة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} صدق الله العلي العظيم .
إن الله عز وجل العادل و المتعال ، قد امتحن أبناء البشر حتى أوليائه ورسله وغالباً ما كان موضوع الإمتحان يتعلق بالأئمة الأطهار ، وبولايتهم ومحبتهم ، وسيبقى هذا الإمتحان الى يوم القيامة .
إلهي ، ثبتنا بالقول الثابت على ولايتهم ، ومحبتهم ، والمشي في طريقهم عليهم السلام والعاقبة للمتقين ، الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم ، وقد قال سلمان رضوان الله عليه حينها : «انهم فعلوا ولم يفعلوا» ، أي أنهم لو استطاعوا في ذلك اليوم أن يسيطروا على مقام الخلافة والولاية ويتصدى بعض مدعي الاسلام لهذا الأمر ، كما يقول سلمان أنهم فعلوا ما يريدون ، إلا أن المدة لم تطل بهم ، حتى افتضح أمرهم وفشلوا في هذا الامتحان الإلهي في الدنيا كما قال سلمان أيضا ، إنهم لم يفعلوا ما أرادوا أن يفعلوه ولم ينجحوا فيه ، حتى إننا نجد اليوم ، اسم علي واله (عليهم السلام) في أعلى درجات الفخر والشرف ، وفي الطرف المقابل لا نجد اليوم لتلك الشجره الخبيثة اسم وشعارا ، وكان نسلهم قد انقطع نهائياً من مجتمعاتناً {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} (سورة الأنعام:٤٥) ، واعلموا يقينا إن الطواغيت الصغار ، والظالمين ، ستكون لهم هذه العاقبة ، خصوصا عندما تشرق الارض بظهور حاول لواء العدالة قائم آل محمد الحجة بن الحسن العسكري (عج) أرواحنا فداه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا .
السلام عليك ، يا السبط الأكبر ، يا كريم أهل البيت ، يا حسن المجتبى ، السلام عليك يا غريب الغرباء ، السلطان ابا الحسن علي بن موسى الرضا .
آخر السفر مصادف إستشهاد الإمامين الهمامين ، الحسن المجتبى ، وعلي بن موسى الرضا ، إثنين من مظلومي آل محمد صلوات الله عليه ، اللذان مظلوميتهما إن لم تكن أكثر من مظلومية الحسين سيد الشهداء وأبيهما أمير المؤمنين عليه السلام كانت تعادلها على الأقل ، لأن هذين الإمامين الهمامين صبرا أمام الظلم ، وكظما الغيض ، ولم يَقِما أمام الجور لمصلحة الإسلام ، ولإبقاء شجرة الاسلام ، هو الواضح وأمر بديهي عند الأولياء ، المجاهدة والشهادة أحلى وأفضل من الصبر ، ولكن كان صبرهم فعالا ومأثرا ، وكانت مسؤوليتهما الدفاع عن كيان الاسلام ، والكشف عن الحقائق ، والدفاع عن الخير ، والكفاح ضد الشر ، كما قال أمير المؤمنين في خطبته المعروفة بالشقشقية : «فصبرت وفي العين قذى و في الحلق شجى أرى تراثي نهبا» .
عظم الله أجورنا وأجوركم بهذه المصيبة العظيمة ، نوروا مجلسنا بالصلوات على محمد وال محمد .
لا أريد أن أطيل الكلام ، ولكن لا أتمكن ان لا أتذكر مظلومية شيخنا الاوحد وسيدنا الامجد في هذا المجال ، لأنهما قد ألفا أكثر من ٤٠٠ كتاب في ترويج الإسلام ، والتشيع ، ونشر فضائل أهل البيت ومناقبهم ، معتمدا على الروايات الموثقة التي صدرت عنهم عليهم السلام ، ومع الاسف لا يتحمل الحاسدون شأنهما ومقامهما ، فهجموا على هذين العالمين الجليلين هجمة ، بدل أن يعظموهما ، وما دافعوا عنهم إلا قليلا ، إذاً في معتقدي معارضوا مقامهما ، إما عالم ، وإما غير عالم .
اذا كان غير عالم لفضائلهم ، فهو قاصر ،ولا حرج له ، وأما اذا عالماً لفضائلهم ، فهو مقصر ، وخارج من العدالة .
وأما في زماننا هذا ، إن الناس لا يعرفونهما حق المعرفة ، ولا يدافع عنهما إلا قليلا ، من يجاهد في إثبات حقانيتهما ، فهو مؤَيَد من جانب مولانا ومقتدانا صاحب العصر والزمان (عج) ، وعلينا أن نساعدهم في هذا الأمر الخطير والعظيم .
يجب علي أن أشكر ، الأخ العزيز ، نور بصري ، العالم الفاضل ، المتقي ، الشيخ توفيق البوعلي ، أن بادر بافتتاح قناة الأوحد الفضائية .
وفقه الله ومساعديهم في هذا الأمر الهام ، وكان هذا الأمر عملي وعمل كل مريدي هذه المدرسة الشريفه ، وعلينا أن نحاميهم بأي كيفية ، وأيضا أشكر وكيل المرجعين الذي افنى عمره الشريف في خدمة الدين والمرجعية الشيخ عبدالله نجم المزيدي ابو صادق ومازال هو خادما للمؤمنين حفظه الله .
وأعظم سائر المشائخ في الكويت المحبوب والاحساء والدمام والبحرين وسائر البلاد اللذين بذلوا عمرهم الشريف في إعلاء كلمة الحق وكيان التشيع وفي الخاتمه أتذكر مقام العلمين الماضين خصوصا أجدادي قدس سرهم الشريف وعمي الأكبر صاحب الشهادة الثالثة في هذا البلد المجاهد الكبير الحاج الميرزا علي الحائري الاحقاقي ، وجدي الإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الاحقاقي ، ووالدي المظلوم الحاج الميرزا عبدالرسول الحائري الاحقاقي خادم الشريعة الغراء .
وفي الخاتمه أشكركم يا أهل الوفاء يا أهل الإيمان والمحبة ، لأنكم تجاهدون في سبيل الحق ، ولا تتزلزل الشدائد أقدامكم ، وأنتم ثابتون في هذه المدرسة الشريفة وفي طريق أهل البيت حتى قيام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجة الشريف لذكره صلوات .