الشيخ حسين الفهيد حفظه الله
حديث الكساء ونفحات عطرة من
مقامات الزهراء (عليها السلام)
إن ذكر أهل البيت عليهم السلام أعظم الأذكار والأساس في بقاء الوجود ، وهو الذكر الحقيقي والباطني ، فإذا ذكرتهم ذكرت الله .
ومن هذه الأذكار حديث الكساء المروي عن فاطمة الزهراء (ع) فقراءتي لهذا الحديث العظيم ليس فقط لقضاء حاجتي وشفاء علتي ورفع ما تعسر من أمري او غفران لذنوبي فأنا قد حرمت من ٩٠٪ من فائدة الحديث إذا لم ألتفت إلى أسراره وأتدبر في معانيه القيمة وأصل إلى الغاية المنشودة منها .
لأن هذا الحديث يحوي على عجائب لمقامات فاطمة الزهراء عليها السلام لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
- أول الغايات من حديث الكساء :-
أن حقيقة فاطمة (ع) هي حقيقة القوة التي تمد الخلائق وحتى رسول الله (ص) .
عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة (ع) قالت : دخل علي أبي
وقال : السلام عليك يا فاطمة ،
وقالت : وعليك السلام يا أبتي قال : «إني أجد في بدني ضعفا» .
من المعلوم أن الرسول (ص) حركاته وسكناته وقعوده وأنفاسه ، {وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى} فهي بأمر من الله عز وجل .
لماذا جاء الرسول (ص) إلى بيت فاطمة عليها السلام؟
لقد عانا رسول الله (ص) ما عانا من الظلم والأذية من قبل أعدائه فشكا همه وغمه وضعفه إلى الله سبحانه وتعالى .
فأمره الله أن يلجأ إلى مهبط رضاه ومحط رحمته ومأمنه ومأواه ولطفه على خلقه وهي فاطمة الزهراء عليها السلام .
فأحس بأن قوته قد إنهدت فشكا هذا الأمر إلى الله؟
فقال الباري اذهب إلى فاطمة (ع) فهذا الهم والغم سوف يذهب ويزول .
فكل خطوة خطاها رسول الله (ص) إلى بيت فاطمة (ع) كانت بأمر الله بعد أن شكا من الضعف .
فحقيقة فاطمة (ع) هي حقيقة القوة التي تمد حتى رسول الله (ص) لماذا؟
لأنها سلام الله عليها أرض الولاية وأم الأئمة عليهم السلام الذين بهم عُبِدَ الله حق عبادته وانهم الحافظون لرسالة جدهم رسول الله (ص) وانهم أول المقرين لتوحيد الله سبحانه وتعالى في جميع العوالم الإمكانية والتكوينية ولولاهم لما خلق الله الوجود بأكمله .
وهذا لا يعني أن فاطمة (ع) أفضل من رسول الله (ص) وهذا المعنى من باب من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق .
وهذا المعنى مثل الحديث القدسي «لا إله إلا أنا محمد نبيي أيدته ونصرته بعلي» من هذا الباب هل أن علي (ع) أقوى من رسول الله ؟ لا .
أو قول الله تعالى {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فهل الله محتاج أن ننصره؟ لا .
أو قوله {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} فهل الله محتاج أن يقترض منك؟ لا .
فيأتي رسول الله (ص) لفاطمة عليها السلام فيقول لها «ائتِينِي بِالكِساء اليَمانِي فَغَطِّينِي بِهِ» فلو لاحظت هذه الفقرة ، تجد أن رسول الله (ص) أزيل عنه الضعف ببركة الكساء اليماني التي تلتحف فيه فاطمة الزهراء (ع) ، إذا كان هذا الكساء عند فاطمة عليها السلام يزيل الهم والغم ، وما إن يلتحف به رسول الله (ص) إلا وتدب فيه القوة في بدنه إذا فكيف فاطمة عليها السلام؟
ففي الحديث القدسي «يا محمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما» .
لأنها سلام الله عليها أصل الظهور النوراني والولاية .
- الغاية الثانية :-
بيت فاطمة (ع) في الباطن هو رسول الله (ص) ، والبنيان هم المعصومون عليهم السلام .
بعد أن دخل أمير المؤمنين علي والحسن والحسين عليهم السلام تحت الكساء جاءت الزهراء مستأذنة أبيها رسول الله (ص) لكي تدخل هي أيضا تحت الكساء .
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} أنظر هنا الأذن والاستئذان للدخول الى بيت النبوة الذي هو صدر رسول الله (ص) وليس فقط تلك الجدران الظاهرة .
فالبيت في الباطن هو رسول الله (ص) ، والبنيان هم المعصومين عليهم السلام .
{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} (سورة الحديد:١٣) ، قال رسول الله (ص): «أنا مدينة العلم وعلي بابها» .
- الغاية الثالثة :-
إن فاطمة الزهراء عليها السلام لها القدرة على إحاطة العوالم في وقت واحد وهذه من قدرة الله عليها .
قالت فاطمة عليها السلام قال الله عز وجل «وَعِزَّتِي وَجَلالِي إنِّي ما خَلَقتُ سَّماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً ....» إلى أن قال «إلاّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذِينَ هُم تَحتَ الكِساءِ» .
- هنا عدت نقاط : -
١- إن الزهراء عليها السلام سمعت لسان القدرة (وعزتي و جلالي) وهي تحت الكساء وفي نفس الوقت أيضاً في السماء .
٢- أن الزهراء عليها السلام لسان القدرة {وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (سورة مريم:٥٠) «وجعلكم ألسنة إرادته» ، كما في زيارة .
٣- إن الزهراء عليها السلام لها القدرة في التصرف في العوالم جميعها بإذن الله سبحانه وتعالى فلا تستشكل ذلك لعدة وجوه :-
أن الزهراء عليها السلام والأئمة المعصومين أفضل من الأنبياء وأفضل من الملائكة وذلك بالدليل النقلي والعقلي .
ملك الموت عنده القدرة بأن يتواجد في كل مكان وهو خادم لأهل البيت عليهم السلام . وسيدة الوجود ليس عندها القدرة بأن تتواجد في كل مكان .
إبليس لعنه الله عنده القدرة بأن يتواجد مع المليارات من البشر في وقت واحد وفاطمة الزهراء عليها السلام ليس لها القدرة على ذلك .
كذلك محطات الإذاعة والتلفزيون تجد أن محطة واحدة تبث في وقت واحد خبر أو صورة يشاهدها الملايين من الناس وهي في وقت بث واحد .
وهذا الذي صنع التلفزيون مسلم أو كافر؟ صنعه كافر .
الله يقدر أن يجعل في هذا الكافر بأن يصنع تلفزيون يبث من خلاله ببث واحد إلى العالم وليس له القدرة أن يجعل في فاطمة عليها السلام القدرة في إحاطة العالم في لحظة واحدة . {إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
الوجود ما خُلق إلا لأجل هؤلاء الخمسة والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام فأنا وأنت من ضمن أملاك فاطمة عليها السلام .
لما خلق الله آدم أوقفه الله بين قدرته فرفع آدم رأسه إلى العرش وإذا عظمة نورانية معلق على العرش عليها تاج عقد ، وقرطان صورته أشباح .
قال : إلهي من هذا ، الشبح أو الصورة؟ وهل هناك خلق قبلي وأفضل مني؟
قال الله عز وجل : هذه أمتي فاطمة ، التاج أبوها ، والعقد بعلها ، والقرطان ولداها ولولاها ما خلقتك ، فيا آدم خلقتك لأجل هذه فاطمة .
- الغاية الرابعة :-
فاطمة عليها السلام هي السبب في التعرف على أهل البيت عليهم السلام بأكملهم للملائكة وللخلائق جميعا . «هم فاطمة» هنا سر من الأسرار .
لماذا قال هم فاطمة؟ ولم يقل هم رسول الله أو علي ....؟ لماذا بدأ بفاطمة؟
إنه في العوالم الأولية اشتكت الملائكة لله الظلمة الذي عم الفضاء .
فخلق الله فاطمة الزهراء عليها السلام فأزهرت بنورها السماوات والأرض .
فأشرقت ببركات أنوارها عليها السلام على السماوات والأرض وعلى العرش والكرسي ، فرأت الملائكة عظمات أهل البيت عليهم السلام فسبحت بتسبيحاتها وهللت بتهليلاتها .
ففاطمة عليها السلام هي السبب في التعرف على أهل البيت عليهم السلام بأكملهم للملائكة .
فصارت هي عليها السلام الطريق لمعرفة أهل البيت عليهم السلام في جميع العوالم الإمكانية والتكوينية وكذلك في الحياة الدنيا هي الطريق لمعرفتهم للعالم العلوي ، فجبرائيل والملائكة ما عرفوا أهل البيت عليهم السلام إلا من طريق فاطمة .
فالجليل جل وعلا يخاطب جبرائيل «هم فاطمة» ، فيقول له تذكر الذي عرفك أنوارهم في ذاك الزمان كذلك يعرفك أبدانهم في هذه الدنيا وهي فاطمة عليها السلام .
ولهذا فالمعرفة ما دارت إلا على فاطمة عليها السلام يقول الإمام الصادق عليه السلام : «جدتي فاطمة الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون» ، فمعرفة فاطمة عليها السلام ليس الآن وليس من تلك الأزمان فقط بل من زمن دعاء الصباح وَالثَّابِتِ القَدَمِ عَلى زَحاليفِها في الزَّمَنِ الأوَّلِ» ، فمن ذلك الزمان وفاطمة عليها السلام معرفتها مستمرة .
فلولا فاطمة عليها السلام لما وجدت القرون والأزمنة وما رأيت متحرك ولا ساكن ولا متنفس الا ببركات أنوار فاطمة عليها السلام .
ولهذا الجليل قال لجبرائيل (ع) : «هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها» .
وأيضا نرى من ضمن معاني فاطمة الزهراء عليها السلام .
هي النقطة الالتقاء والارتباط الوحيدة مع الأشباح الخمسة .
فرابطة الرسول (ص) بأمير المؤمنين (ع) فاطمة عليها السلام ، ورابطة أمير المؤمنين عليه السلام بالحسنين فاطمة عليها السلام . رابطة الرسول (ص) بسبطيه من فاطمة (ع) .
كذلك فاطمة عليها السلام هي نقطة التقاء بحر النبوة وبحر الإمامة .
بحر النبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحر الإمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام .
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} (سورة الرحمن:١٩-٢٠) فأرض الولاية هي : فاطمة الزهراء عليها السلام التي يتقابل عليها هاذين النهرين أو البحرين .
ولولا فاطمة عليها السلام لما وجد الأئمة عليهم السلام ، لأن ليس هناك امرأة تستحق بأن تكون سلالة الأئمة منها إلا فاطمة عليها السلام .
ولولا فاطمة عليها السلام لما وجدت رسالة لأن الرسالة إذا تتوقف بوفاة الرسول (ص) يكون ذلك عبث وتعطيل لرسالة السماء ، ولهذا لا بد من حملة وأوصياء لهذه الرسالة بعد الرسول (ص) وهم الأئمة من سلالة فاطمة عليهم السلام وهم حجج الله على الخلائق .
- الغاية الخامسة :-
الأذن والاستئذان من فاطمة عليها السلام .
حين عرف جبرائيل (ع) بأن تحت الكساء رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) وفاطمة الزهراء (ع) والحسن والحسين عليهما السلام .
سأل جبرائيل من الله أو تأذن لي بأن أكون لهم سادسا؟.
قال عز وجل قد أذنت لك ، فنزل جبرائيل من و السماء إلى الأرض إلى بيت فاطمة عليها السلام فسلم على رسول الله (ص) وأهل بيته عليهم السلام فقال جبرائيل : إن الله أذن لي بأن أكون لكم سادسا فهل تأذنوا لي؟
لاحظ : لماذا يستأذن جبرائيل من أهل البيت في الدخول تحت الكساء رغم أنه أخذ الإذن من الله فهل هو بحاجة لإذن آخر .
نعم لأن الله أمر ذلك {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} ، والأمر الثاني أن جميع الخلائق مأمورة من الله حتى رسول الله (ص) أن لا يدخل بيت ابنته فاطمة إلا بعد الاستئذان منها.
فعجباً يا جبرائيل يستأذن الأمين ويهجم الخئون .