خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
تفسير القرآن الكريم
التفسير في اللغة : كشف وتوضيح المعنى الواقعي للكلام ، ومنه قوله تعالى: {وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً} (سورة الفرقان:٣٣) .
وهو مأخوذ من مادة (فسر) بمعنى الكشف والتمييز .
ويقول علماء اللغة : إن كلمة (فسر) على قاعدة الاشتقاق الكبير (قانون القلب) ، أخذت من كلمة (سفر) ، وهي اللغة بمعنى الكشف مثل : أسفرت المرأة عن وجهها ، إذا كشفته ، وعلى هذا تفسير الكلمات ، يعني رفع الإبهام عن معاني الكلمات ، وتوضيحها بحيث لا يبقى شيء من الإبهام و الإخفاء .
التفسير في الاصطلاح القرآني : عند الإمعان والمراجعة لكلمات العلماء ، وأهل الفن ، في معنى التفسير ، نجد أن لهم آراء وتعريفات مختلفة ، وهي إن اختلفت في الألفاظ والصياغة ، فإنها ترجع كلها إلى معنى واحد ، ونتيجة واحدة ، تتلخص في العبارة الآتية : (التفسير هو علم يبحث في أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله عز وجل) .
فإذاً موضوع علم التفسير ، هو الآيات القرآنية ، من حيث دلالتها على مقصود الله تعالى .
والمفسر هو الذي يستنبط مقصود الله ومراده ، من خلال آيات الله وكلماته .
ولو نظرنا إلى الموضوع نظرة مبسطة وواسعة نرى : أن القرآن كتاب سماوي ، ومن عند الله عز وجل ، وكما يصف نفسه وفيه {تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (سورة النحل:٨٩) ، ومن حيث أن لا أحد في المجتمعات البشرية العادية ، حوى جميع العلوم ، وبشكل مطلق ، أمكن الاستنتاج :
أنه لا يمكن لأحد على الإطلاق ، من صدر الإسلام ، وإلى آخر الدنيا ، أن يفسر القرآن بما هو ، وكما هو ، إلا المعصوم (ع) ، ولذلك لم يدّع أحد أنه فسر القرآن تفسيراً مطابقاً لإرادة الله وعلمه ...
وللحصول على تفسير كامل ، وجامع ، من غير المعصوم ، يجب أن يجتمع جميع العلماء ، وأصحاب الثقافات المتنوعة ، وأساتذة العلوم والفنون العليا ، ليبحث كل منهم من منظاره ، ومجال تخصصه ، في القرآن الكريم ، ثم يدون استنباطاته ، واستنتاجاته ، ويستخرج ما يمكنه من الرموز والأسرار القرآنية ، ثم يجمع ويدون جميع ما توصل إليه أولئك المتخصصون وتنسق المواد فيما بينها ، فعندها يمكننا القول : إن لدينا تفسيراً قريباً للواقع ، متناسباً مع بحره الزّخار …
ولكن مشروعا مقترحا كهذا ، لم يحصل في تاريخ الإسلام ، ومن الصعب جدا تحقيقه ، من جهة الكمية والكيفية ، إذا لم نقل انه محال .
وعلى فرض حصول ذلك الإجتماع ، سيكون ما توصل إليه العلماء من كشف رموز القرآن ، مطابقا مع مستوى عقول عصرهم وزمانهم فقط ، لأن العقول تتكامل ، وتتوسع آفاق العلوم على حسب تكامل العقول …
وبذلك ستكون النتيجة المحصلة غير متلائمة مع القرآن الذي يواكب المجتمعات والخطوات العلمية في كل زمان ...
وبناء على ذلك ، يجب أن نرجع في فهم القرآن وتفسيره ، إلى أولئك العظام ، الذين لديهم العلوم اللدنية ، والمعارف السماوية ، المحيطون بجميع العلوم بما في ذلك معلم القرآن وتفسيره ...
ولم تكن معلوماتهم محددة ومقيدة بزمان ومكان كغيرهم من العلماء العاديين ، فانهم مؤيدون من عند الله ، عز وجل ، في فهمهم ، واستنباطهم ، واستخراجهم ، الكنوز القرآنية ، ولأن القرآن كتاب سماوي وعالمي ، فلا بد لمفسره أن يكون سماوياً عالمياً …
نعم لهؤلاء فقط الذين يستقون علومهم من نبعه الغيبي الإلٰهي ، أن يقوموا بهذه المهمة الخطيرة ، ويتحملوا هذه المسؤولية الشريفة .
وهؤلاء هم الذين عناهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث الثقلين المشهور بعترته وأهل بيته : علي بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء وأولادهما الأحد عشر ، عليهم الصلاة والسلام ، أنهم العلماء بالتفسير والتأويل ، وأسرار ورموز القرآن الكريم ، وهم الذين عينهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل علوم القرآن فيهم ، ولا مناص من العودة اليهم ، واللجوء ، والاستمداد من كنز علومهم كما قال عليه الصلاة والسلام ، وأمرنا بذلك ، وبقوله : "أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد المدينة ، فليأتها من بابها" .
وعلى هذا فإنه لا يمكن الركون والإعتماد على تفسير للقرآن الكريم ، إلا أن يكون مؤلفه قد أخذ من علوم آل محمد عليهم السلام ، واستند إلى أقوالهم ورواياتهم ، بل وليس لأحد أن يفسر القرآن متكئاً ومعتمداً على نفسه وعقله وعلمه ، ومهما بلغ من العلم ، إلا عن طريقهم ، وعلى طريقتهم ، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" .
فإذاً كل تفسير للقرآن ، لم ينبع من الأئمة المعصومين (ع) ، الذين هم أساتذة القرآن الواقعيين ، بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعتمد عليه ولم يستند اليه ، عند علماء أهل الفن …
والخلاصة : إن القرآن الكريم لوحده ، وبغير الاستعانة والاستفادة من علوم آل محمد عليهم السلام ، هو كتاب مبهم ، وغير قابل للإدراك والفهم ، مع علمنا الناقص والمحدود .
وهاهو النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يقول : "إني تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما ، لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" .
ومع هذا النص الصريح ، المتفق عليه لدى المسلمين كافة ، يتضح أن القرآن والعترة لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، وليس لنا أن نخوض في القرآن إلا بالاستعانة بعلوم علي وأهل بيته ، عليهم الصلاة والسلام .
وبهذه المقدمات يتضح بطلان فرضية (كفانا كتاب الله!) التي أبدعها الخليفة الثاني ، ويثبت أن الأسانيد الواقعيين للقرآن ، المُعينين من قبل الله عز وجل ، هم محمد وآل محمد صلوات الله عليه أجمعين ، وهم الذين لهم صلاحية تفسير القرآن ، وقد بينوا علومه ، وتفسيره ، من خلال أحاديثهم ، ورواياتهم ، التي حملها إلينا حملة الأخبار والأحاديث من العلماء العظام ، أمثال : الشيخ الكليني ، والشيخ الطوسي ، والشيخ الصدوق ، وغيرهم أعلى الله مقامهم ، وأوصلوها إلينا .
وهاهو مذهب الشيعة (مذهب أهل البيت (ع)) ، غني بكل العلوم والمعارف الإسلامية التي وصلتنا عنهم عليهم السلام بالشكل الصحيح والكامل ، والحمد لله رب العالمين .