خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
الإجابة على الإعتراض الثالث في
خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)
الإعتراض الثالث : بما أن الأئمة المعصومين (ع) لهم القدرة بالولاية الكلية المطلقة ، كعزرائيل في قبضه أرواح الجميع ، وإسرافيل الذي ينفخ في الصور ، فيحيي الموتى ، وان الشمس تدير المنظومة الشمسية ، وأنَّ الملائكة تتدخل في رحم الأم ، وتعطي الطفل صورته وشكله ، بما أن الأئمة المعصومين (ع) ، يتميزون بشأن عظيم ، ومقامهم أجل وأسمى من كل ما ذكرناه ، فإنهم يستطيعون أن يخلقوا ، ويديروا ، ويتولوا أمور الدنيا ، فكما أن عمل الملائكة لا يعتبر شركاً ، فإن أعمال النبي (ص) والأئمة (ع) ، لا تعتبر شركاً .
ويجيبون على استدلالهم فيقولون :
إنَّ عزرائيل (ع) لا يستطيع قبض الأرواح بمفرده ، وإنمـا يساعده أعوانه ، ومساعدوه من الملائكة ، وهكذا إسرافيل ، خلافاً لرسول الله (ص) والأئمة (ع) ، فإن كلاً منهم فرد واحد !!
- ونقول في الجواب :
أولاً : إنكم مشتبهون في ذلك أشد الإشتباه ، حيث أن الرسول الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين (ع) ليسوا وحدهم ، كما تتصورون ، بل بأمر الله ، تبارك وتعالى ، لهم في السماوات والأرض خدم كثر ، ومنهم الجن والملائكة .
عن أبي الحسن (ع) ، قال : "ما من ملك يهبطه الله في أمر ما ، إلا بدأ بالإمام ، فعرض ذلك عليه ، وإنَّ مختلف الملائكة من عند الله ، تبارك وتعالى ، إلى صاحب هذا الأمر" .
وقال أمير المؤمنين (ع) ، بعد قتل عثمان ، حين ناشد القوم : "نشدتكم الله هل فيكم أحد سلم عليه جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، في ثلاثة آلاف من الملائكة ، يوم بدر غيري ؟ قالوا : اللهم لا" .
ونضيف إلى ما تقدم : إنَّ الأئمة المعصومين (ع) بتأييد الباري (جلَّ شأنه) ليسوا محتاجين إلى مساعدة الملائكة ، أو غيرهم .
إن آصف بن برخيا ، كان النبي سليمان (ع) ، وبموجب نص القرآن الكريم ، ودون مساعدة أحد ، أحضر عرش (بلقيس) ملكة (سبأ) في طرفة عين ، من مملكة سبأ في (اليمن) إلى مدينة (مدين) في فلسطين ، أو إلى القدس ، على اختلاف الروايات ، فكيف يقبل الجهلة هذا الأمر العجيب من آصف بن برخيا ، ولا يقبلونه من الأئمة المعصومين الذين هم أشرف المخلوقات ؟؟! ولا نعتقد ذلك فيهم إلا لأنهم يجهلون أبسط فروع الدين ، أو قل يعاندونها ، فكيف في هذه المسألة وهي من أصول الدين ؟!
ثانياً : إن القياس في فروع الدين باطل ، ولكن القياس في أصول الدين واجب ولازم ، لأنَّ العلماء جميعاً متفقون على أنَّ أصول الدين من العلوم العقلية ، وأنها تحتاج إلى الإستدلال ، وأساس الاستدلال القياس . وعلى هذا فإن استعمال القياس في إثبات موضوعات ومسائل أصول الدين من الواجبات .
ومن هنا يظهر أن هؤلاء المعترضين ، مع كل ما يدعونه ، لا يعرفون أبسط دلائل موضوعات العقل والدين ، بل وأبسط الاستدلالات ، وهم إلى الآن لم يعلموا أنَّ القياس الباطل مربوط بفروع الدين ، لأن فروع الدين أمور عبادية ، ولا تحتاج إلى الاستدلال .
ولما كان هؤلاء المعترضون ، لا يفقهون شيئاً ، وليس لهم عقل ، ولا علم بالدين ، فنقترح أن يراجعوا الكتب الابتدائية التي تعلم الأطفال مسألة وجود الباري ، جل وعلا ، بطريقة حسّية ، كأن يقولوا لهم مثلاً :
إذا أردتم صنع منضدة ستحتاجون إلى صانع لها ، ودون تدخل النجار ، لا يمكن أن تصنع المنضدة ، وعلى هذا الأساس فإنَّ هذا الكون المصنوع يحتاج ، أو لا بد من صانع صنعه ، وإن الموحدين يسمون هذا الصانع (الله) ، وهذا نوع من القياس ، وفي هذا الشأن يقول الله ، سبحانه وتعالى ، في القرآن الكريم :
{أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ} .
ثالثاً : يقولون : يجب أن يكون دليل على صحة هذا المطلب ، بأن الإمام يستطيع كأي ملك من الملائكة ، أن يدير شؤون العالم بالولاية المطلقة الكلية !
ونقول في الجواب : ليس هناك من شك في أنَّ الأئمة المعصومين (ع) لهم الولاية المطلقة الكلية ، لوجود أدلة كثيرة على صحة ما نثبته ، في القرآن الكريم ، وفي الآثار والكتب الإسلامية .
ولكن عيونهم لا تبصر ذلك ، وهم عاجزون عن درك هذه الأدلة {وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها} ، لأن كتب الشيعة مملوءة بالأدلة الكافية الوافية ، التي تؤيد هذا الموضوع ، والكتاب الذي بين أيديهم واحد منها ، لو يطالعونها بدقة تامة لوجدوا الأدلة التي قلنا عنها !
رابعاً : يقولون : إن قياس عمل الملائكة ، والشمس ، مع عمل الرسول (ص) ، والإمام (ع) ، قياس مع الفارق ، حيث أن أفعال الملائكة والشمس ، منسوبة إلى الله ، عز وجل ، ولكن عمل الرسول والإمام ، منسوب إلى أنفسهم !
ونقول في الجواب : إنَّ قياس عمل الملائكة والشمس ، بعمل الرسول والإمام ، قياس ناقص على الكامل ، لا قياس مع الفارق ، لأنَّ القياس مع الفارق يكون بين شيئين متباينين تبايناً كلياً ، لا تشابه بينهما .
ولكن المسألة هنا تختلف كل الاختلاف ، حيث أن الملائكة ، أو الشمس ، كل منهما وسيلة من وسائل الخلقة .
فمثلاً إسرافيل وسيلة لنفخ الصور ، وعزرائيل وسيلة لقبض الأرواح ، والشمس وسيلة لنشر الروح والحرارة ، ولكن الأئمة المعصومين (ع) ، وحسبما جاء في القرآن الكريم ، وبروايات متواترة ، وعقيدة علماء الشيعة ، إنهم أعظم وسيلة ، وأكبر واسطة ، بین الله والمخلوقات .
وعليه ، فإنَّ وجه التشابه في هذه المسألة ، هو الوساطة بين الخالق والمخلوق التي توجد بين الطرفين .
فهنا لا قياس مع الفارق ، بل هو جمع بين الطرفين ، وباصطلاح أهل المنطق هناك حد وسط موجود .
وحيث أن الملائكة والشمس ، وسائل ناقصة ، ومحمداً (ص) ، وآل محمد (ع) ، يعتبرون أعظم وسيلة ، وأكبر واسطة إلهية ، فالأساس هنا قياس ناقص على الكامل .
وأما قولهم : إنَّ أفعال الملائكة والشمس ، منسوبة إلى الله عز وجل ، وفعل الرسول والإمام منسوب إلى نفسه ، فإنه خطأ واشتباه ، لأن جميع أفعال الملائكة والشمس ، ليست منسوبة إلى الله ، بموجب قول الله ، تبارك وتعالى : {وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ} .
فإذا نسبنا فعل الملائكة إلى الله ، معنى ذلك أننا نقول : إنَّ الله سجد لآدم ، وهذا كفر صراح ، وكذلك قوله تعالى : {وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها} .
وبناء على استدلالهم الخاطىء نقول : إن نسبة عمل الأشياء إلى أنفسها نسبة خالصة ، أو إلى الله ، عز وجل ، مسألة دقيقة جداً في موازين الشرع والعقل .
لهذا يجب أن نقول هنا : إنه إذا كانت الملائكة ، أو سائر مظاهر الوجود ، هي واسطة ، لإيصال الأوامر الإلهية المقدسة ، إلى المخلوقين ، فإنَّ أفعال المخلوقين تنسب إلى الله ، تبارك وتعالى ، مقيدة بتلك الأوامر ، كفعل عزرائيل (ع) في قبض الأرواح ، فإنَّ فعله منسوب إلى الله ، جل وعلا ، حيث أن الله تعالى ، يأمره بقبض أرواح المخلوقين ، فهو واسطة لإجراء أمر الله ، عز وجل ، وأمر الممات بيد الله تبارك وتعالى .
وكذلك فعل جبرائيل (ع) في إنزال الوحي ، أو فعل إسرافيل (ع) في إيصال الروح إلى الجنين ، حيث أن هؤلاء الملائكة ، هم وسطاء لتنفيذ أمر الله ، سبحانه وتعالى ، لأن الإحياء والإماتة ، والوحي ، تنسب إليه عز وجل .
وهكذا فالمسألة بالنسبة للأئمة المعصومين (ع) المسألة إياها ، لأنهم أعظم واسطة بين الله ، تبارك وتعالى ، وبين المخلوقات ، وهو ، جل شأنه ، ينسب أقوالهم وأفعالهم إلى نفسه بقوله :
{وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى} (سورة النجم:٣-٤) ،
وبقوله تعالى :
{وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى} (سورة الأنفال:١٧) ،
وقوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ...} ، فيعتبر بهذه الآية الكريمة أن مبايعتهم لرسول الله (ص) كمبايعتهم الله ، سبحانه وتعالى ، وفي آخر هذه الآية ، يقول تبارك وتعالى : {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ، وهنا يقصد الباري جل شأنه ، أن يد الرسول الأكرم (ص) التي صافقتها الناس ، هي يد الله بالتكليف ، لأن الله ليس بجسم حتى يكون له يد .
وأمثال هذه الآيات الكريمة كثيرة ، حيث ينسب الله ، سبحانه وتعالى أعمال وأقوال الرسول الأكرم (ص) ، وهؤلاء الأئمة الطاهرين (ع) إلى نفسه ، وهم أعظم واسطة بينه ، وبين جميع المخلوقات ، وأنه منحهم الولاية الكلية المطلقة على جميع العالمين ، وشرفهم بها .
كتاب الولاية الجزء الثاني ص١٢٢-١٢٨