قصة النبي سليمان (ع) و الملكة بلقيس ملكة اليمن

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


تابع / الإجابة على الإعتراض السابع في 

خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)


  • قصة النبي سليمان (ع) و الملكة بلقيس ملكة اليمن :


كانت بلقيس ملكة تحكم بلاد الحبشة ، أو اليمن الحالية ، التي كانت تسمى فيما مضى دولة سبأ ، وكانت ملكة عظيمة الشأن والجلال والسلطان . وكانت مع قومها تعبد الشمس . فأراد سليمان (ع) أن يهدي هؤلاء القوم ، ويرشدهم إلى عبادة الله تعالى .


فكتب رسالة يدعوهم فيها إلى عبادة الله ، وحملها الهدهد ، إلى الملكة بلقيس ، على أن يلقيها في مقرها ، وأمام عرشها .


فلما قرأت بلقيس الرسالة ، جمعت وزراءها ، وقوادها ، وأصحاب الرأي في بلادها ، وقالت لهم :

{يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ، قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ ، قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ ، وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (سورة النمل:٢٩-٣٥) .


فلما وصل رسل بلقيس إلى سليمان ، وهم محملون بالهدايا ، قال سليمان لهم : أتريدون أن تمنعوني من غزو بلادكم ، ببعض الهدايا والمجوهرات ؟ إنكم لا تعلمون أن الله سبحانه وتعالى ، قد أعطاني من الملك والمال مقداراً كبيراً ، وأحسن بكثير من هداياكم هذه ، وأنتم أهل دنيا تفرحون بهذه الأموال !


يا رسل بلقيس ! ارجعوا بهداياكم إلى بلادكم ، وأخبروا بلقيس ملكتكم ، بأني سأبعث إلى قومكم جيشاً ، لا قبل لهم به عدداً وقوة ، ولا تستطيع قوة أن تقف في وجهه ، ولسوف أخرجهم من تلك البلاد بالذل والهوان !


ولما رجع رسل بلقيس ، وأخبروها بما رأوا من قدرة وعظمة سليمان (ع) ، وعرفوها انه نبي مرسل من قبل الباري ، جل وعلا ، وجدت بلقيس أنه لا مناص لها من التسليم لإرادة النبي الكريم (ع) ، فرأت من الحكمة أن تزور سليمان (ع) في جمع يضم وزراءها ، وأهل بلاطها ، وقوادها ، وبعض جنودها .


فخرجت من سبأ متجهة إلى (مدين) في فلسطين ، وكان لها عرش مرصع بأنواع المجوهرات الثمينة ، تحبه كثيراً ، فتركته في العاصمة ، في مكان حريز ، بحراسة أشد جنودها .


ثم أخذت بلقيس ، مع حاشيتها ، يطوون البلاد ، ويجدون في السير ، ليل نهار ، حتى وصلوا (مدين) ، قريباً من مقر سليمان (ع) .


ولما علم نبي الله سليمان (ع) ، باقتراب بلقيس من بلاده ، أراد إظهار مقامه الرفيع ، وجلالة سلطته المعنوية على الأمور التكوينية ، وذلك بأن يجلب عرشها من عاصمتها ، وبالسرعة المطلوبة .


ومع أنه (ع) كان قادراً على إنجاز هذا العمل وحده ، لكنه أراد أن يفهم بلقيس بأن أوصياءه ، وخدمه قادرون على ذلك ، بفضل الله ، تبارك وتعالى ، وقادرون أيضاً على التصرف في الأمور الكونية ، كما أنه أراد (ع) أن يُشعـر شعبـه بمقـام وصيـه آصف بن برخيا


فقال لمن حوله من قومه : {يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} (سورة النمل:٣٨-٤٠) .


وعليه فقد عرفنا أن آصف بن برخيا ، الذي هو أحد أتباع النبي سليمان (ع) ، كان له التصرف في الأمور الكـونيـة بحيث استطاع في طرفة عين ، أن يجلب عرش بلقيس ، من (سبأ) إلى (مدین) !


وبعد أفلا يستطيع الله ، سبحانه وتعالى ، أن يَمُنَّ ويكرم محمداً (ص) وآله المعصومين (ع) ، بهذه القدرة ، علماً بأنهم منبع علوم الأنبياء ، ومن ضمنهم سليمان بن داود (ع) ، حيث أن الله ، تبارك وتعالى ، منح الأنبياء ما منحهم من التصرف في الأمور الكونية ، بفضل محمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، وفيما يلي نذكر بعض الروايات التي تؤيد ذلك :


١- (أصول الكافي) : عن الإمام أبي جعفر (ع) قال : "إنَّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنما كان عند أصف منها حرف واحد ، فتكلم به ، فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ، حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت ، أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الإسم الأعظم إثنان وسبعون حرفاً ، وحرف واحد عند الله تعالى ، استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" .


۲ - (أصول الكافي) : "عن سدير ، عن الإمام الصادق (ع) ، قال : يا سدير ! ألم تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل : {قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} ، قال ، قلت : جعلت فداك قد قرأته . قال : فهل عرفت الرجل ؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال ، قلت : أخبرني بـه ؟ قال : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر ، فما يكون ذلك من علم الكتاب ؟


قال : قلت ، جعلت فداك ما أقل هذا . فقال : يا سدير ما أكثر هذا ، أن ينسبه الله ، عز وجل ، إلى العلم الذي أخبرك به ، يا سدير ! فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله ، عز وجل ، أيضاً : قل : {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} (سورة الرعد:٤٣) .


قال : قلت ، قد قرأته جعلت فداك . قال : أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم ، أم من عنده علم الكتاب بعضه؟


قلت : لا ، بل من عنده علم الكتاب كله . قال : فأومـأ بيده إلى صدره ، وقال : علم الكتاب ، والله ، كله عندنا ، علم الكتاب ، والله ، كله عندنا" .


٣- (تفسير الصافي) : "عن الإمام الهادي (ع) : {قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ} ، آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف ، لكنه (ع) أحبَّ أن يعرف الجن والإنس ، أنه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ، ففهَّمه الله ذلك ، لئلا يختلف في إمامته ، ودلالته ، كما فهَّم سليمان (ع) في حياة داود (ع) ، لتعرف إمامته ونبـوتـه من بعده ، لتأكيد الحجة على الخلق" .


بعد ذكر جميع الأدلة التي ذكرناها سابقاً ، وجميعها مستخرجة من متن القرآن الكريم ، لم يبق أي شك ، أو شبهة ، في أن الأنبياء ، والأئمة الأطهار ، كان لهم الولاية التكوينية علاوة على الولاية التشريعية ، على جميع المخلوقات ، وان من ينكر هذا الأمر ، في الحقيقة ، يكون منكراً للقرآن الكريم ، والدين الإسلامي الحنيف .


وقد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ ولاية الأنبياء السلف ، كانت ولاية جزئية ، ولكن ولاية محمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، هي عبارة عن ولاية كلية مطلقة ، وأن هذه الولاية كانت عند جميع الأئمة (ع) بإذن الله ، تبارك وتعالى ، كما جاء في القرآن الكريم : {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة آل عمران:٢٦) .


وبناء على ما تقدم ، نرى أنَّ الآية الكريمة صريحة ، في كون الله ، سبحانه وتعالى ، يعطي الملك والسلطنة لمن يشاء من عباده المكرَّمين ، وأن السلطة والملك ، عبارة عن الولاية التكوينية التي يمنحها لهم ، ويتوجهم بتاج الولاية الكلية المطلقة .


ومن البديهي أن المقصود من الملك والسلطنة ليس السلطنة الدنيوية الظاهرية ، بل المقصود السلطنة الواقعية ، والتصرف في الأمور الكونية ، بإذن الله تعالى .



كتاب الولاية الجزء الثاني ص١٥٣-١٥٨