خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
الإجابة على الإعتراض السابع في
خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)
الإعتراض السابع : إن المعاندين يفسرون الآية الكريمة : {وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (سورة آل عمران:١٤٤) ، بأن محمداً (ص) قد أعطي صفة الرسالة فقط ، من قبل الله ، جل شأنه ، كما جاء قبله الرسل ، وإن الرسل الذين سبقوا محمداً (ص) ، كانوا أصحاب الولاية في الأمور التشريعية فقط ، لا في الأمور التكوينية !
ونقول في الجواب : إنَّ هؤلاء يفسرون آيات القرآن ، تبعاً لهوى نفوسهم ، دون أن يلتفتوا إلى شأن نزول الآية .
وما فسروا الآية المباركة على هذا النحو ، إلا لغرض إغواء الناس ، فقلبوا مفهوم ومقصود الرب من هذه الآية ، على عكس ما يريده الباري جل وعلا .
فليراجع هؤلاء جميع التفاسير المعتبرة عند الشيعة ، من المتقدمين والمتأخرين ، وليقولوا : في أي تفسير من هذه التفاسير ورد هذا المعنى الخطأ ، والغلط ، والخلط ، الذي يذكرونه لتفسير الآية ، دون إبداء أي دليل يذكرونه ، حتى إنهم في شرح الآية المباركة لم يراعوا جانب الأمانة والأدب ، ولم يشرحوها بصورة صحيحة .
وفي ما يلي نشرح ونفسر الآية المباركة ، بصورة صحيحة ، حتى تظهر الحقيقة واضحة أمام أنظار المطالعين ، والدارسين ، لتسود وجوه ، وتبيض وجوه! :
قال الله تعالى : {وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران:١٤٤) .
ذكر جميع المفسرين في شأن نزول هذه الآية المباركة أنه : عندما وقعت (غزوة أحد) بين المسلمين ، ومشركي مكة ، أدت هذه الغزوة إلى ضرر المسلمين ، وانكسارهم في الحرب ، وذلك بسبب طمع بعض المسلمين ، من ضعفاء النفوس ، بجمع الغنائم ، حيث تركوا أماكنهم التي أمرهم رسول الله (ص) بملازمتها ، والمحافظة عليها ، أثناء القتال ، ونزلوا إلى الميدان لجمع الغنائم .
وحيث أن الرسول الأكرم (ص) ، جرح في هذه المعركة ، فقد أشاع المشركون أن النبي (ص) قد قتل ، وأن المشركين قد قتلوه .
هذه الحيلة الحربية أثَّرت في معنوية جنود الإسلام ، مما حدا في هذه الأثناء بجمع من المنافقين ، أن ينادوا : أنه ما دام قد قتل النبي (ص) ، فلا حاجة لنا لإدامة الحرب ، والبقاء في دين الإسلام !
وقد ذكر الكاتب الكبير (محمد حسين هيكل) ، وزیر التربية والتعليم ، السابق ، المصري ، في كتابه ، وغيره من المؤرخين الشيعة ، والسنة ، أن عدداً من المسلمين الضعفاء ومنهم أبو بكر وعمر ، اتجهوا إلى جانب الجبل ، وتركوا القتال ، ولم يبق مع الرسول الأكرم (ص) غير أسد الله الغالب ، وفارس المشارق والمغارب ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، ومعه أبو دجانة .
وبهذه المناسبة ، نزلت الآية الكريمة : {وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ …} الآية ، لتنبه المسلمين بأنه إذا مات الرسول الأكرم (ص) ، أو حدث له شيء ، أو قتل ، لا يحق للمسلمين الارتداد عن دين الإسلام ، والرجوع إلى أيام الجاهلية والكفر .
وبناء على ما ذكرناه ، توضَّح سبب نزول هذه الآية الشائعة التي أشاعها المنافقون بوفاة النبي (ص) ، وسوق الناس لهذا السبب إلى الانهزام ، والارتداد ، والكفر .
والله ، جل وعلا، برحمته الواسعة ، ولأجل أن يمنع المسلمين من الارتداد عن دين الإسلام أنزل هذه الآية المباركة ، وأوضح تعالى فيها أن السلف من الأنبياء عندما ماتوا وارتحلوا من هذه الدنيا لم تبطل أديانهم في التوحيد ، ولم يرتد المؤمنون نتيجة ذلك ، ولا زالوا باقين إلى يومنا هذا .
ولنفرض أن الرسول الأكرم (ص) ، قد مات ، أو قتل ، فليس معناه أن الدين الإسلامي يذهب ويندثر ، ويرتد المسلمون عن دينهم ، ويرجعون إلى الكفر والجاهلية .
وعلى هذا ، فقد أراد الله ، سبحانه وتعالى ، أن يبين من خلال الآية المباركة ، أنه على المسلمين التمسك بدين الإسلام الحنيف ، بعد وفاة رسول الله (ص) ، وعليهم أن يعملوا على تقويته واستمراره ، وهكذا نجد لهذه الآية فائدتين :
- الفائدة الأولى : هي تقوية الروح المعنوية لجنود الإسلام ، في غزوة أحد .
- الفائدة الثانية : غلق أفواه المنافقين عن تشويق المسلمين إلى الارتداد عن دين الإسلام ، والرجوع إلى الكفر ، ودرس للمنافقين ، حتى يكفوا عن دعوة المسلمين إلى الارتداد أثناء وجودهم مع الرسول (ص) وبعد وفاته .
وبعد : نسأل المنصفين ليحكموا وليقولوا : كيف يفسر المعاندون جهلهم بقولهم : إن الرسول (ص) ليس له أية صفة غير صفة الرسالة كالأنبياء السالفين ، في حين أن إجماع مسلمي العالم يقول بأن الرسول (ص) ، كانت له مزايا وعناوين ، لم تكن لأحد من الأنبياء السالفين ، ومنها :
أولاً : كان (ص) ، قد لقب بـ (خاتم الأنبياء) ، بصـريـح الآيات والأخبار الإسلامية ، حيث لم يلقب قبله نبي من الأنبياء (ع) .
ومعنى ذلك أن الرسول الأكرم (ص) ، هو خاتم الأنبياء حتى يوم القيامة ، ولن يبعث نبي بعده حسب الآية الكريمة : {رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ … } (سورة الأحزاب:٤٠) .
ثانياً : إنَّ الرسول الأكرم (ص) ، كان أشرف الأنبياء والمرسلين ، وأكمل الموجودات حيث أن الشيعة والسنة متفقون بالإجماع ، بأن رسول الله (ص) هو أشرف الأنبياء والمرسلين ، ولم يكن هذا الشرف لأي نبي من أنبياء السلف .
ثالثاً : لقد اتفق جميع مسلمي العالم ، أن رسالة محمد (ص) رسالة عامة ومطلقة ، ومعنى ذلك ، أن رسول الله (ص) ، قد بعث بالنبوة والرسالة ، من قبل الله ، تبارك وتعالى ، ليكون رسولاً وقائداً لجميع أفراد البشر في العالم ، في حين أن الرسل الذين بعثوا قبله ، كانت رسالتهم رسالة خاصة ، أي محدودة ، كإبراهيم (ع) الذي بعث إلى قوم معينين ، وموسى وعيسى (ع) كانت لهما وظيفة إرشاد بني إسرائيل فقط ، وهكذا باقي الرسل ، في حين أن مجال الدعوة الإسلامية التي كلف بها وحملها رسول الله (ص) ، مجال غير محدود ، بل لعموم أهل الأرض ، حيث قال ، تبارك وتعالى :
{تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} (سورة الفرقان:١) ، وقال تبارك وتعالى ، في آية أخرى :
{وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} (سورة الأنبياء:١٠٧) .
ومعنى ذلك ، أن الرسول الأكرم (ص) ، قد أرسل رحمة ونذيراً للعالمين جميعاً ، سوى الله ، جل شأنه ، أي على جميع المخلوقات والموجودات إطلاقاً .
أي إنَّ رسول الله (ص) كانت له مرتبة خاصة ، وكان له عنوان رفيع لم يشاركه فيه أي نبي من الأنبياء السالفين إضافة إلى مقامه الشامخ ، ورسالتـه العـامـة والمطلقة ، ودليلنا عليه : إجماع المسلمين ، والآيات البينات التي ذكرها الله تعالى ، في القرآن المجيد .
وما يقوله القائلون ، المعاندون ، الذين في قلوبهم مرض ، هو قول مخالف للنص الصريح ، الوارد في القرآن المجيد ، والذي بين المقام الرفيع للرسول الأكرم (ص) .
ونذكر بالمثل الفارسي الذي يقول ما معناه : إن أقوال الجهلاء تشبه هبة ريح تحمل الغبار ، وهذا الغبار لا يعلق برداء النبي الأكرم (ص) ، ولا يجلس عليه !
وأما قولهم : بأن الأنبياء السلف ، كانت نبوتهم تشريعية ، وكانوا لا يملكون درجة الولاية التكوينية ، فهذا استدلال خاطيء و مردود ، بموجب نص القرآن الكريم، وأخبار أهل بيت العصمة (ع) .
ونقول لهؤلاء ، رداً عليهم : إنه إذا كانت نبوة الأنبيـاء السلف ، نبوة تشريعية فقط ، ولم يكن لهم الولاية التكوينية ، فكيف يفسرون تصرف بعض الأنبياء ، تصرفات خارقة ، في الأمور الكونية ، وتظهر منهم العجائب التي ذكرها الله ، تعالى ، في القرآن الكريم ؟
ومع شديد الأسف إنهم يدعون أنهم يفهمون القرآن ، ويعتبرون أنفسهم فوق مستوى الرسول (ص) والأئمة (ع) ، الذين هم أساتذة في تفسير القرآن ، وبعد ذلك يقولون ، كأسلافهم : «كفانا كتاب الله» ، ولكنهم في وقت الامتحان ، يعجزون عن فهم معاني القرآن ، حتى درك ظواهره ، مما يجعل الشخص الخبير المطلع أن أن هؤلاء لم يقرأوا ، ولم يفهموا حقيقة القرآن ، بل يجعلون عدداً من البسطاء ينحرفون عن طريق الصواب ، ويشككون بمقدسات الدين ، وكأنهم لم يقرأوا قصة سليمان بن داود في القرآن ، ولم يعلموا كما عرفهم الله ، عز وجل ، كيف أنه تعالى ، بلطفه وكرمه ، قد أعطى سليمان (ع) قدرة كبيرة وعجيبة بحيث أنه (ع) بواسطة هذه القدرة ، التي هي جزء من الولاية الكلية ، كان يتصرف بأمور الخليقة ، وأن تصرفه هذا ، كان في كثير من الأحيان ، تصرفاً تكوينياً نافذاً وجارياً .
والآية صريحة في تأكيد ما نقول : يقول تعالى : {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ، وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ ، وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ} (سورة ص:٣٦-٣٧-٣٨) .
فنرى من هذه الآيات الكريمة ، أن الله سبحانه وتعالى ، يقول في لهجة صريحة ، انه ، تبارك وتعالى ، سخر لسليمان (ع) الرياح ، والشياطين ، والجن ، وكلهم يأتمرون بأمره ، ويكونون تحت تصرفه ، وسلطته ، وولايته ، وقصد الشيعة من الولاية ، هو الولاية التكوينية عند الأنبياء (ع) والتي ينكرها هؤلاء المعاندون .
وفي مكان آخر، في السورة نفسها ، يقول تعالى بشأن سليمان (ع) :
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ، فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ، رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ} (سورة ص:٣١-٣٢-٣٣) .
وتفسير ذلك : إنَّ سليمان بن داود (ع) ، لما عرضوا عليـه الخيول الأصيلة قال : «إنَّ حبي للخيول قد أنساني ذكر الله تعالى ، حتى غابت الشمس !» فأمر الملائكة الموكَّلين بالشمس أن يردوا الشمس ، فصلى صلاة العصر في وقتها ، ثم طفق يمسح أعناق الخيول وسيقانها !
(مجمع البيان) :
«قيل معناه أنه سأل الله تعالى ، أن يرد الشمس عليه ، فردَّها عليه حتى صلى العصر ، فالهاء في (ردوها) كناية عن الشمس ، عن علي بن أبي طالب … وقال ابن عباس : سألت علياً (ع) ، عن هذه الآية ،
فقال : "ما بلغك فيها يا بن عباس ؟
قلت: سمعت كعباً يقول : اشتغل سليمان بعرض الأفراس ، حتى فاتته الصلاة ،
فقال : «ردوها عَليَّ» يعني الأفراس ، كانت أربعة عشر ، فأمر بضرب سوقها ، وأعناقها ، بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوماً لأنه ظلم الخيل بقتلها !
"فقال علي (ع) : كذب كعب ! لكن : اشتغل سليمان بعرض الأفراس ، ذات يوم ، لأنه أراد جهاد العدو ، حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال ، بأمر الله تعالى ، للملائكة الموكلين بالشمس : ردُّوها علي ! فرُدَّت ، فصلى العصر في وقتها ، وإن أنبياء الله ، لا يظلمون ، ولا يأمرون بالظلم ، لأنهم معصومون ، مطهرون" .
(التفسير الكبير) للفخر الرازي :
«روي أن سليمان بن داود عليه السلام ، لما اشتغل بالخيل ، فاتته صلاة العصر ، فسأل الله تعالى ، أن يرد الشمس . فقوله : (ردّوها علي) ، إشارة إلى طلب رد الشمس» .
وبناء على ما سبق ذكره ، تشاهدون ، وبالبرهان الواضح ، أن الله ، تبارك وتعالى ، قد جعل الشمس ، والملائكة ، الموكَّلين بأمر الشمس ، تحت سلطة وولاية النبي سليمان (ع) ، وأن سلطته (ع) ، قد امتدت إلى الشمس والملائكة الموكلين بها ، وأن هذه السلطة هي قسم من الولاية التكوينية التي ينكرها هؤلاء القوم ، فينقدح من هذه الآية المباركة نتيجتان :
أولاً : إن ولاية الأنبياء ، بإذن الله تعالى ، ولاية تشريعية ، وتكوينية ، تؤثر في أمور السماوات ، كما تؤثر في أمور الأرض ، كفعل سليمان حين أمر فردَّت الشمس بعد ما غربت .
ثانياً : إن الملائكة تكون تحت إمرة الولاية التكوينية ، وأمر الأنبياء .
والآية المباركة أثبتت الولاية التكوينية لسليمان بن داود (ع) الذي لم يكن من الأنبياء أولي العزم .
فبناء على ما ذكرناه ندعو هؤلاء المعاندين إلى قراءة قصص أنبياء أولي العزم العجيبة في القرآن الكريم ، ليتبينوا ولايتهم التكوينية ، وتأثيرها في جميع الموجودات ، كما يشاهدوا كيف أن الله ، تبارك وتعالى ، منح أنبياءه وأوصياءه ، ما منحهم من فضله ولطفه ، وكيف فضلهم على العالمين بالولاية التكوينية والتشريعية ، عل هؤلاء الجهلاء المعاندين يخجلون ، ويتوبون من أقوالهم التي لا أساس لها ، فيستغفرون الله ، سبحانه وتعالى ، ويتوبون ، قبل أن يرتحلوا عن هذه الدنيا، ويلاقوا شدید العذاب ! !
ألم يقرأ هؤلاء القوم ، في القرآن الكريم ، قصة النبي عيسى (ع) العجيبة ؟ ألم يمنحه الباري ، جل وعلا ، القدرة على إحياء الموتى ؟ ألم يمنحه القدرة في علاج المرضى الذين يئسوا من العلاج؟ ألم يُشفِ العمي الذين ولدوا عُمياً ، وجعلهم يبصرون ؟ ألم يُحيِ الموتى الذين ماتوا قبل آلاف السنين ؟
ألم يمنح الله ، جل وعلا ، النبي موسى القدرة على تبديل العصا ، وهي خشبة يابسة ، إلى أفعى سامة ؟ ألم يبدل موسى بإذن الله وقدرته ، مياه النيل في مصر إلى دم ؟ ألم يؤثر بقدرة الله تعالى في النباتات ، والجمادات ، والبحار ، بحسب القدرة التكوينية ؟
ألم يمنح الله ، تبارك وتعالى ، داود (ع) قدرة تليين الحديد في يده ، ليصنع منه الدروع ، دون حاجته (ع) إلى المطرقة ، والسندان ، والنار ، لتليين الحديد .
ألم يجد هؤلاء القوم كل هذه الوقائع النادرة في القرآن الكريم ؟ فإذا عرفوها فلماذا ينكرون الولاية التكوينية ، ويتجرأون على عدم الاعتراف بها ، وبالتالي ينكرون آيات القرآن الكريم ؟
فإن قالوا : إنَّ هذه الأمور كلها معاجز ، وبأمر الله تبارك وتعالى !
قلنا : إننا نؤكد قولهم بكونها معاجز ، ولكن الله القادر المتعال ، يستطيع أن يمنح هذه القدرة إلى الخلفاء الذين اختارهم واصطفاهم من بين بني البشر ، ويمنحهم ، ويتفضل عليهم بتنفيذ أمرهم في الأمور التكوينية الجارية ، ويجري أمرهم وقدرتهم ، في السماوات ، والأرض ، واليابسة ، والملائكة ، والجن ، والشياطين كذلك .
فليسم هؤلاء المعاندون ، الأمور الصادرة عن الأئمة الأطهار معجزة ، كرامة ، أموراً فوق طاقة البشر ، أو الولاية ، ولا نتناقض معهم في الألفاظ ، ولكن نطلب منهم أن لا ينكروا حقيقة الأمر ، وأصل الموضوع!
وأمام كل هذه المسائل ، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، من إحياء الموتى ، ورد الشمس ، والتأثير في البحر ، وتسخير الرياح والملائكة ، والإنس ، والجن ، فكلها من تأثير الولاية التكوينية التي منحهم الله إياها .
ولما كانت رسالة الأنبياء السلف جزئية إلى قوم معدودين ، كانت تصرفاتهم في الأمور الكونية محدودة ومعجزاتهم معدودة ، و ولايتهم الكلية محدودة .
أما بالنسبة لنبينا الرسول الأكرم محمد (ص) ، وآله الطاهرين المعصومين (ع) ، فقد كانت ولايتهم كلية ومطلقة ، وإن أوامرهم بإذن الله تعالى ، كانت نافذة في جميع الكائنات ، وكانوا يتصرفون حسب الولاية التكوينية ، ولكن بشرط أن يكون مسموحاً لهم من الباري ، جل وعلا ، وكانت ولايتهم ، من بداية الخليقة إلى يوم القيامة ، سارية بأمر الله ، تبارك وتعالى .
ونعود فنقول للمعاندين : إنه ليس لكم القدرة على درك هذه المقامات الرفيعة ، وليس لكم أن تسمعوا هذه الأمور ، أو تفهموها ، فنتنازل معكم إلى درجة أقل من ذلك مع أحد تلامذة مع النبي سليمان (ع) ، وواحد من خدمه ، فإنه لم يكن نبياً مرسلاً ، بل كان وصياً له في قسم من الأمور التكوينية ، فماذا قال الله سبحانه وتعالى ، في حق (آصف بن برخيا) ، وما كان أثره في الأمور التكوينية ؟
كتاب الولاية الجزء الثاني ص١٣١-١٣٦