الإجابة على الإعتراض الخامس في خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


الإجابة على الإعتراض الخامس في 

خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)


الإعتراض الخامس : يقولون ، وقولهم يشبه العرفان ، إنَّ ولاية الإمام ولاية إلهية ، ولكننا نقول : أين الدليل على هذا القول ، حيث لم يصلنا من الشرع شيء من ذلك ، فإذا ادعى شخص ذلك في فروع الدين ، فإن المسلمين يمنعونه ، أما في أصول الدين فكل ما يدَّعى لا مانع منه .


ونقول في الجواب : إنهم لا يعلمون ولا يريدون أن يفهموا بأنهم لا يعلمون ، لأن جميع الروايات ، والآيات المباركة ، التي تثبت الولاية الكلية ، للأئمة ، وأهل بيت العصمة (ع) يدعون بأن هذا شبه العرفان ، استهزاء وسخرية .


ونقول : إنَّ العرفان ، المثبت ، الحقيقي ، هو أساس المعتقدات المذهبية الصحيحة ، وذلك بموجب الآية الكريمة

{وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (سورة الذاريات:٥٦) 

وفي تفسيرها : إنَّ العلة الغائية من خلق الجن والإنس هي العرفان ، أي معرفة الله ، التي تقود إلى العبادة .


وبعد فإننا نعجب من طلبهم الدليل على الولاية الكلية المطلقة لمحمد (ص) وآل محمد (ع) ! 

ولا ندري ، لعلهم لم يقرأوا التفاسير ، وأخبار أهل بيت العصمة (ع) ، كما أنهم لم يقرأوا أي کتاب من كتب علماء الشيعة حتى إنهم لم يجلسوا أمام منبر المحدثين من الشيعة !


فهلا أخذوا بعض كتب المنصفين من أهل السنة ، وقرأوها لعلهم يعرفون أن الولاية الكلية للأئمة الطاهرين ليست مسألة خافية على أي شخص ، لكثرة وجود الآيات القرآنية ، والروايات المعتبرة ، والأدلة الوافية ، ولكونها تشبه الشمس في وضح النهار .


لقد مضى على ظهور الإسلام ألفٌ وأربعمئة سنة ، واسم علي (ع) مقرون بكلمة الولاية ، والمؤالف والمخالف ، يعرفان علياً مع الولاية


أما هؤلاء البؤساء فيطالبون بالدليل ولا ندري إن كانوا يتظاهرون بعدم الفهم ، أم هم حقيقة لا يعلمون هذه الحقائق الواضحة والمسلَّمة ، أم كانوا طوال هذه القرون ساهين غافلين .


إننا نؤكد أنَّ أمر الولاية من عالم المشاهدة ، وأما كونها من عالم المعنى فإنَّ وجود الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، ملحوظ وحقيقة منذ خلق الله الكائنات ، أي منذ بدء الخليقة ، كان قد تشرف بدرجة الولاية الكلية من قبل الله ، سبحانه وتعالى ، بل قل إنه قبل أن يخلق الخلق .


ويقولون : كل من يدَّعي شيئاً ، أو يعمل من عند نفسه ، من فروع الدين ، يمنعونه من العمل ، أما إذا ادعى بشيء من عند نفسه في أصول الدين فلا مانع في ذلك !


ونقول : إنَّ هذا الإستدلال خطأ فاحش من جانبهم ، وأنهم هم الذين يدعون ذلك


أما عند الشيعة ، فإنه لا يجوز لأي فرد أن يدعي ، أو يعمل ، أو يأمر بعمل من عند نفسه ، سواء أكان العمل في فروع الدين أم في أصوله ، لأن كل عقائدنا مستندة إلى القرآن الكريم ، ومأخوذة منه ، وإن آثار وكتب أساتذة القرآن الكريم (محمد ، وآل محمد (ص))  كلها مأخوذة من القرآن الكريم ، وإن شيعة علي (ع) كل ما أخذوه وذكروه ، سواء أكان في الأصول ، أم في الفروع ، مقتبس جميعه من مكتبة العظماء ، من الأئمة الطاهرين (ع) وأن علماء الشيعة لم يضيفوا من أنفسهم كلمة واحدة ، ولم ينقصوا كلمة واحدة .


إنَّ الذين يطالعون كتب علماء وكبار مفكري الشيعة ، مطالعة دقيقة يجدون أن علماءَنا عندما يريدون أن يفتوا ، أو يستخرجوا حكماً شرعياً ، ، يجد المطالع ، أي حد ، وأي دقة يعتمدهما هؤلاء العلماء والمفكرون ، حتى يخرجوا ذلك الحكم الشرعي ، ولكن الجهلاء من المعاندين وكلهم جاهل يدَّعون عناداً أنَّ من يتَّبع مكتبة آل محمد (ص) المقدسة ، فإنما يتبعون باطلاً !!


في الحقيقة إنَّ هذا الإعتراض يُرد عليهم ، لأنه باتفاق المراجع العلمية الإسلامية ، ومراجع التقليد ، إذا أرادوا أن يثبتوا مسألة شرعية ، أو يفتوا بها ، فإنهم يستندون إلى رواية أو خبر واحد ، أو روايتين وخبرين ، في حين أن أكثر الأصحاب قد اكتفوا بخبر واحد .


وعلى هذا الأساس ، كيف يجوز الإستناد إلى رواية واحدة ، أو خبر واحد ، في فروع الدين لإثبات الحكم الشرعي ، ولا يلتفتون إلى مئات من الأخبار والأحاديث المتواترة والصحيحة لإثبات الولاية المطلقة للأئمة المعصومين (ع) ؟ 

ثم يتجاسرون ليقولوا : إنه ليس لنا دليل واضح لإثبات هذا الأمر !


أقول : إن كتب الشيعة والسنة المعتبرة ، فيها الكثير من الأدلة والأخبار المتواترة ، وفي هذا الكتاب الذي بين أيديكم ، قد ذكرت أكثر من ثلاثين رواية ، أو خبر لإثبات الولاية الكلية لمحمد (ص) ، وآل محمد (ع) ! 

فكيف لا يرون ، ولا يقرأون هذه الروايات والأحاديث وينكرونها ، ثم يقولون إننا لا نملك أي دليل على ذلك !!


فإذا كانوا يستندون في فروع الدين على الأخبار ، فنحن نستند في إثبات الولاية الكلية على الأخبار أيضاً ، وإذا كانت الأخبار في فروع الدين صادرة عن الأئمة المعصومين (ع) ، فإن رواة تلك الأحاديث هم من أصحاب الأئمة الطاهرين ، وإذا كانت تلك الروايات مذكورة في كتب الشيعة المعتبرة ، فرواة هذه الأحاديث هم كذلك من أصحاب الأئمة الأطهار (ع) ، الموثقين ، ولا نعلم ما هو الفرق بين هاتين المجموعتين من الأخبار حتى أن هؤلاء الأغبياء يقبلون قسماً ، ولا يقبلون بالقسم المتصل بفضائل ومقام أهل بيت العصمة (ع) ، ويردّونه

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سورة البقرة:٨٥) .


أقول : إنَّ هناك تفسيراً واحداً للمعارضات الواهية التي يتمسك بها هؤلاء الجهلاء ! ، إنه العناد لله تعالى ورسوله ، والجهل المركب الذي يقود إلى الضلالة . وإلا فكيف نفسر تعنتهم ، وعنادهم إن لم یکن الأمر كذلك ؟!


إنهم لا يريدون من فضائل الأئمة الأطهار أن تنتشر ، وتعم الخافقين ، وباعترافهم إن هذه الفضائل تزداد انتشاراً ، واتساعاً ، وهم يعملون جاهدين لوقفها ، ولكن هيهات لهم ذلك ، فإنَّ الذين سبقوهم ، وكانوا أشد منهم قوة ، وسطوة ، من بني أمية ، وبني العباس ، لم يستطيعوا أن يوقفوا شعاع تلك الفضائل والمآثر ، فأين أولئك من هؤلاء !


إن معاندي أهل بيت العصمة ، يريدون أن يعطلوا مجالس نشر فضائل محمد (ص) ، وآل محمد (ع) كما أنهم يعملون جاهدين لتعطيل مجالس العزاء التي تقام ، لأجل مظلوم كربلاء ، وخامس أصحاب أهل الكساء ، الحسين بن علي ، أرواحنـا لـه الفداء ، وكما تلاحظون ، فإنَّ هذه المجالس تزداد انتشاراً وتعميماً ، والمناسبة الكربلائية ، بدأت ، بحول الله وقوته ، تأخذ مكانها على صعيد العالم الإسلامي ، لتوحد المسلمين حول مقارعة الظلم ، والاستعباد ، والقهر ، وكانت العناية الإلهية تبطل خطط أعداء الإسلام ، وتمنعهم عن بلوغ إطفاء نور الله تعالى

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} (سورة الصف:٨) .


كتاب الولاية الجزء الثاني ص١٣١-١٣٦