خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
الإجابة على الإعتراض الثاني في
خصوص الولاية الكلية للمعصوم (ع)
الإعتراض الثاني : يقولون : إنه إذا كان للرسول الأكرم (ص) ، والأئمة (ع) ، الولاية على كل شيء ، فلماذا لم يدفعوا الشر عن أنفسهم ، ويطلبوا من الله ، عز وجل ، أن يدفع عنهم البلاء ؟!
ونقول في الجواب : الحقيقة إن هذا اعتراض البلهاء ، واستدلال المخطىء ، ويدل على الجهل والحمق ، وعدم المعرفة بآثار أهل بيت العصمة (ع) ، ونفي مطلق لمعرفة القرآن !
أولاً : يجب أنْ يعرفوا أنَّ الولاية الكلية والمطلقة للأئمة المعصومين (ع) ، ليس لها أي ارتباط بأدعيتهم ، ولا تتنافى مع تلك الأدعية ، إلا إذا تصور المعاند أنَّ الولاية الكلية المطلقة ، تجعلهم في غنى عن حاجتهم وانقطاعهم عن الله تبارك وتعالى .
بمعنى آخر : إنهم ينتظرون من الأئمة الأطهار (ع) أن يقطعوا صلتهم بالله تعالى ، وقضائه ، وقدره ، ولا يحتاجوا بالتالي إليه والعياذ بالله ، وهذا منطق ظاهر البطلان ، واهي الدلالة ، لا يدل إلا على عدم العقل والعلم .
وفي اعتقاد الشيعة الإمامية ، الإثني عشرية ، أن الأئمة (ع) ، ولو أنهم منصوبون أولياء من قبل الله ، عز وجل ، وأنه شرفهم بالولاية المطلقة ، لكن أي واحد منهم ، لم ولن يستغني لحظة واحدة عن الله ، تبارك وتعالى ، وأنهم دائماً يطلبون المدد منه ، جل شأنه ، لأنه مصدر الفيض ، ولم يدع أحد منهم أبداً استقلاليته عن الله ، تبارك وتعالى .
وكل من يظن أنهم في جميع الأمور مستقلون ، ومستغنون عن الله ، عز وجل ، فهو كافر ، ومشرك ، بدليل الآية المباركة : {عِبادٌ مُكْرَمُونَ ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (سورة الأنبياء ٢٦-٢٧) .
ثانياً : إن قسماً من أعمال المعصومين (ع) ، يكون درساً ، ونبراساً ، يستضيء به الناس ، ويتعلمون منه ، كالأدعية الموجودة في (الصحيفة السجادية) فالإمام السجاد علي بن الحسين (ع) ، عندما كان يدعو بهذه الأدعية ، ويبكي ، ويستغفر من ذنوبه ، ويتوب إلى الله منها ، وهو واحد من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهير ، إنما كان في الواقع يدعو لغايات كثيرة ومنها : التربية والتدريس ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إلى آخر ما هنالك من غايات تناولها شراح (الصحيفة السجادية) ، وآخرها ، بل وقبل آخر تلك الغايات أن يعلم المسلمين جميعاً كيفية الاستغفار ، والتوبة ، والانتهاء عن الأعمال القبيحة ، والنهوض من الغفلة قبل أن يدركهم الموت ، استعداداً للقاء الله قولاً وعملاً .
وبالمناقشة العقلية البحتة : كيف يبعث الله أنبياء ، أو ينتخب أوصياء أئمة ، لإرشاد الناس ، ويعرف البشر أنهم ليسوا معصومين من الذنوب ، ويرتكبون الأخطاء ، في حين أنه سبحانه وتعالى ينهى الناس عن المعاصي ؟
إنَّ هذا المنطق في حد ذاته ينفي تحليل العقل السليم ، وصريح منطوق القرآن الكريم ، حتى أن الأدب الإنساني الصرف ، لا يجرؤ على مقام الأئمة ورميهم بالنقص ، لأن النقص فيهم ، نقص بالتكليف الإلهي الذي يقودنا حتماً إلى نقص في الذات الإلهية وهو خلاف لاتفاق الفقهاء ، والعلماء ، والدارسين ، وبني البشر ، من الذين أنعم الله ، عز وجل ، عليهم بالعقل ، أو ببعضه ، أو بأدنى معرفة !!
ثالثاً : أنتم تقولون بما أن الأئمة المعصومين هم أصحاب الولاية الكلية ، فلماذا لا يتوسلون إلى الله ، ويلتمسون منه المساعدة ؟
فنجيبكم : إن التماس الأئمة (ع) العون والمساعدة ، من الله جل وعلا ، لا ينافي مقام الولاية المطلقة لهم ، لأنهم لا ينفصلون عنه تعالى نتيجة لطاعتهم المطلقة ، وإن التمسوا شيئاً ، فليس ذلك ذنب ، وإنما تحبباً ، وتقرباً إليه جل شأنه ، وكون هذا الالتماس في كثير من الأحيان درساً للمسلمين .
وبالمقارنة نقول : إنَّ الله ، جل شأنه ، الذي هو خالق المخلوقات ، وباريء الموجودات ، يطلب من عباده العاجزين فيقول : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} (سورة البقرة:٢٤٥) ، والمعنى البسيط لهذه الآية المباركة أن الله ، تبارك وتعالى ، يطلب من عباده قرضاً وعطاء ، ومن المعلوم أنه لا يطلب القرض إلا المحتاج ، وإن الله تبارك وتعالى ، غني عن العالمين وليس محتاجاً إلى أحد ، بل الخلق كلهم محتاجون إليه ، ومع ذلك فإنه عز وجل ، يطلب من عباده أن يقرضوه وما ذلك إلا ليعلم ويربي الناس ، ويشجع المسلمين على مساعدة بعضهم البعض ، والذين هم من الحتاجين خاصة .
ونلفت النظر إلى أن اليهود قد استفادوا من ظاهر الآية ، وقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، وأنه يطلب منا أن نقرضه ، وتمسكهم بظاهر الآية قادهم إلى الكفر والإلحاد .
وهكذا ننظر إلى ظاهر الأدعية المنقولة عن الأئمة الأطهار ، فنعتبرهم مذنبين بسبب ظواهر هذه الأدعية ، مما يقود بالتالي إلى الكفر والإلحاد ، بينما جميع الأدعية المأثورة عن الأئمة الأطهار (ع) ، ما هي في الواقع والحقيقة ، إلا وجهة نظر تربوية ، وتعليمية ، وإرشادية للمسلمين ، ودروس عملية للناس ، فيجب فهمها على أساس واقعيتها وحقيقتهم ، لا غير .
كتاب الولاية