الله الصمد

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


الله الصمد


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}


وردت كلمة "الصمد" في القرآن الكريم في مكان واحد فقط ، وهو في هذه السورة المباركة ، سورة "التوحيد" وهي من أثرى كلمات القرآن الكريم من حيث المحتوى ، وقد ذكر أهل اللغة وعلماء التفسير معاني كثيرة لها ، نشير الى بعض منها :


١- روى عكرمة عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال ما مضمونه : "الصمد هو الذي لا أمر فوق أمره" . {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (سورة الفتح:١٠


٢- روى عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال في معنى "الصمد" : "انه الذي يَغْلِب ولا يُغْلَب"


٣- روى عن الامام السجاد عليه السلام أنه قال : "الصمد" الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء". (أي لا يعجز عن تدبير وحفظ الكائنات) {لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} ولا يعزب عنه شيء


٤- روى عن ثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال ما معناه: "الصمد" الوجود المنزه الذي تعجز عقول جميع الموجودات عن درك كنه ذاته"


هكتب "الملا حبيب الله الكاشاني" في وجيزته الشريفة في تفسير سورة التوحيد نقلا عن الامام الصادق عليه السلام أن الصمد هو الذي عنده منتهى السيادة العظمى ويقصده سكان السماوات و الأرض في الحوائج.


٦- روی داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر الثاني (الامام الجواد عليه السلام) انه سأله عن معنى "الصمد" فقال : "السيد المصمود اليه في القليل و الكثير" ، أي المقصود إليه.


٧- قال الامام الباقر عليه السلام: حدثني ابي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام انه قال: "... "الصمد" الذى به انتهى سؤدده" . أي أن سيادته وعظمته في أعلى درجات الكمال


٨- قال الامام الباقر عليه السلام: "الصمد" السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه"


٩- وقال الامام الباقر عليه السلام: ان محمد ابن الحنفية قال في تفسير الصمد: "الصمد" القائم والغني عن غيره" .


۱۰- روى وهب بن وهب القرشي عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال : "الصمد" الذي اذا أراد شيئا قال: كن فيكون و "الصمد" الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.


١١- وروى وهب بن وهب عن الامام الصادق عليه السلام عن أبيه الامام الباقر عليه السلام أنه قال : ان أهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلام يسألونه عن "الصمد


فكتب اليهم: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فلا تخوضون في القرآن بغير علم ، ولا تجادلون فيه ولا تتكلمون فيه بغير علم ، فقد سمعت جدى رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : "من قال قي القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"


وان الله سبحانه وتعالى قد فسر الصمد فقال : {اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ} ثم فسر فقال: {لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}


الى أن كتب : بل هو الله الصمد الذى لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ... الى آخر ما قال عليه السلام.


١٢- الدر المنثور : أخرج ابن المنذر وابن ابي حاتم وابوا الشيخ في كتابه (العظمة) والبهيقي في كتاب (الاسماء والصفات) عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس أنه قال : "الصمد" السيد الذي كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي قد كمل في غناه ، والجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في انواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي الا له ، ليس له كفو وليس كمثله شيء.


۱۳- قال الحسين بن الفضل البجلي : الصمد" هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.


١٤- وقال قتادة : "الصمد" الباقي بعد فناء خلقه . {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ} .


١٥- وقال محمد بن علي الترمذي: "الصمد" هو الأبدي بلا عدد ، والباقي بلا مدد ، والقائم بلا عمد


١٦- وقال مقاتل بن حيان : "الصمد" هو الذي لا عيب فيه.


۱۷- وقال ابن كيسان : هو الذي لا يوصف بصفة أحد . "كمال الاخلاص نفي الصفات عنه".


١٨- وقال سعيد بن الجبير: انه الكامل في جميع صفاته وفي جميع أفعاله.


١٩- قال ابو بكر الوراق : انه الذي أيَّس الخلائق من الاطلاع على كيفيته.


٢٠- قال الربيع بن انس : هو الذي لا تعتريه الافات.


٢١- وقال مرة الهمداني : ان الصمد الذي لا يفنى ولا يبلى.


٢٢- وقال ابي بن كعب: الذي لا يموت ولا يورث وله ميراث السماوات والأرض .


٢٣- وقال الحسن البصري: الذي لم يزل ولا يزال ولا يجوز عليه الزوال ، كان ولا مكان ، ولا اين ولا أوان ، ولا عرش ولا كرسي ، ولا جني ولا انسي ، وهو الآن كما كان.


٢٤- وقال الترمذي: "الصمد" الذي لا تدركه الأبصار ، ولا تحويه الفكار ، ولا تحيط به القطار ، وكل شيء عنده بمقدار .


وهناك معان أخرى لكلمة "الصمد" المباركة غالبا ما تنسب الى المعصومين عليهم السلام ، وهي ما يلي


٢٥- معاذ جميع العائذين والمحتاجين


٢٦- الوجود الذي يحتاج اليه الجميع وهو غني عن الجميع.


٢٧- العالم بكل شيء.


٢٨- الحليم .


٢٩ - المصمت وهو ضد الجوف


٣٠- الرفيع والعالي الرتبة


۳۱- الذي لا يموت وليس له وارث


۳۲ الوجود المنزه عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان


٣٣- الوجود القائم بذاته ولا يحتاج الى الآخرين


٣٤- الذي لا يأكل ولا يشرب


٣٥- الذي (لا تأخذه سنة ولا نوم) . 


٣٦- الذي لم يزل ولا يزال


۳۷- الوجود الأسمى من عالم الكون والفساد ، أي اعلى من دائرة الامكان


٣٨- الذي لا يوصف بالتغاير


٣٩- الوجود الذي يحتاج اليه الخلق وهو غني بالذات


٤٠- ما ورد عن الامام باقر العلوم محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، وهو آخـر مـعـنـى لكلمة "الصمد" المباركة ويكون ختام مسك لها


روى وهب بن وهب القرشي عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال : "الصمد" الذي أذا أراد شيئا قال : كن فيكون و "الصمد" الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.



(التوحيد) و (ومعاني الأخبار) للصدوق ، و (بحار الأنوار) للمجلسي عليهما الرحمة ، قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق عليه السلام يقول : قدم وفد من أهل (فلسطين) على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل ، فأجابهم ، ثم سالوه عن الصمد ، 


فقال : تفسيره فيه ، "الصمد" خمسة أحرف : ف "الألف" دليل على "انيته" وهو قوله تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ} وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن دركِ الحواس.


و"اللام" دليله على "الهيته" بأنه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ، ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة دليلان على أن الهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم ، لا بل هو مبدع الوهام وخالق الحواس ، وانما يظهر ذلك عند الكتابة ، دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس ، فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية البارىء وكيفيته اله فيه وتحير ، ولم تحط فكرته بشيء يتصور له ، لأنه عز وجل خالق الصور ، فاذا نظر الى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم


وأما "الصاد" فدليل على انه عز وجل "صادق" ، وقوله صدق ، وكلامه صدق ، ودعا عباده الى اتباع الصدق بالصدق ، ووعد بالصدق دار الصدق


وأما "الميم" فدليل على "ملكه" وانه الملك الحق ، لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.


وأما "الدال" فدليل على "دوام ملكه" وانه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال ، بل هو عز وجل يكوّن الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن


ثم قال عليه السلام : لو وجدت لعلمي الذي أتاني عز وجل حملة ، لنشرت التوحيد والاسلام ، والايمان والدين والشرائع ، من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر : "سلوني قبل أن تفقدوني ، فان بين الجوانح مني علما جما ، هاه ، هاه ، ألا أجد من يحمله ، ألا واني عليكم من الله الحجة البالغة ، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور" ثم قال الباقر عليه السلام : "الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته".


اقول : ان المعاني الأربعين التي ذكرناها لكلمة "الصمد" المباركة هي غالبا عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، أو تلامذتهم الأجلاء . وبعض هذه التفاسير من الآخرين ، وهي أيضا ترشحات علومهم سلام الله عليهم.


وجميع تلك الأقوال هي تقريبا على مستوى واحد ، ويؤيد بعضها البعض الآخر ويشرحه ، وقد ذكرنا هذه المعاني الأربعين لكلمة "الصمد" لأهميتها وسعة معناها -كما ورد في الرواية المنقولة عن الامام الباقر عليه السلام في المعنى الأربعين- فهذه المعاني الأربعين تعطي المعنى الواقعي للتوحيد ومن الله التوفيق.