لباس أهل الجنة

المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح 

الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره


لباس أهل الجنة


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


قال أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الافتتاح: "ومن ثياب السندس والحرير والإستبرق فألبسنا".


 حقيقة هذه الكلمات في الدعوات الشريفة والآيات المباركة تشير إلى هذه الثياب من سندس وأمثالها ، لكل منطقة لباس خاص وثياب مخصوصة وموافقة لتلك المنطقة ، فمثلا المناطق الشمالية خصوصا القطبين يلبسون الفراء والملابس الثقيلة لكي تقيهم من شدة البرد.


إذا أراد الإنسان أن يسافر ويتجول في الكرة الأرضية من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها ، فإنه يحتاج إلى ملابس متنوعة ، وإذا أراد أن يصعد إلى الهواء ويصل إلى كرة القمر فإنه يحتاج إلى ملابس مختلفة وخاصة ، بالإضافة إلى الأكسجين لاستحالة العيش على كرة القمر ، ولا يستطيع أي إنسان أن يعيش هناك إلا لدقائق أو ساعات ثم يرجع ، فكيف ببقية السماوات والكرسي والعرش ليس لأحد تلك القوة والاستعداد الهائل والوسائل مهما تهيأت.


 وقد سخر الله هذه الوسائل بشتى أنواعها المحسوسة وغير المحسوسة لنبينا أبا القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما أمره الله تبارك وتعالى الى المعراج دعا رسوله (صلى الله عليه و آله) إلى مقام قاب قوسين أو أدنى فخرق السماوات السبع ، السماء الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة ، ولما وصل السماء الرابعة البيت المعمور وإذا بابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك البيت.


 يقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا ابن العم سبقتني إلى هاهنا ، إلى أن وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى وليس وراءه إلا حجاب واحد وإذا وراء هذا الحجاب أيضا ابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام.


ولا عجب منهما لأن هناك منزلهما ، المنزل الأول لمحمد وعلي قاب قوسين أو أدنى مقام نور العظمة لأن الله تبارك وتعالى خلق عبده ونبيه (صلى الله عليه وآله) من نور عظمته ومن نوره خلق نور أمير المؤمنين عليه السلام.


 وليس بعجب فإن جميع العوالم الإمكانية عوالمهم ، ينزلون متى يشاءون من ذلك المنزل الأول وهو المنزل النوري. 


فلهذه المنازل ملابس من نور. لماذا؟ 


لأن في كل مكان وفي كل زمان وفي كل سماء وفي الكرسي والعرش هناك ملابس معينة وخاصة ، فإذا وصل رسول الله أو أمير المؤمنين عليهما السلام الى هذه المنازل لابد أن يتلبس بتلك الملابس التي تخص كل منزل ، ولكن العجب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرج بجسمه وملابسه الجسمانية التي كانت من القطن أو الصوف وبنعليه وبعمامته ، فأخذ هذه الملابس إلى قاب قوسين أو أدنى ، والعجب والإعجاز هنا ، فالمعجزة ليست بمعراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بأمير المؤمنين لأنه وصل وصعد إلى منزله ولا يخلو كل مكان وكل زمان منهم سلام الله عليهم لأن لهم الإحاطة على جميع العوالم الإمكانية وعلى جميع العوالم الكونية ، ولكن الإعجاز في أنه صعد بجسمه الشريف الدنيوي الأرضي وبالملابس الأرضية إلى هناك هذا الإعجاز ما هو إلا دليل وبرهان على قدرته الكاملة التي أعطاها الله إياها تبارك وتعالى والتي تمكنه بتلك القوة أن يأخذ الجسم بملابسه الدنيوية إلى مقام النور الذي جبرائيل (ع) لم يستطع أن يتقدم خطوة واحدة حيث قال إن اقتربت أنملة لاحترقت ، هذا المقام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، لا جبرائيل ولا إسرافيل ولا ميكائيل ولا عزرائيل ولا الذي أعظم منهم يتمكن من الاقتراب من هذا المقام ، ولكن ملابس رسول الله صلى الله عليه وآله التي من القطن تمكنت أن تخرق هذه الحجب فصارت هي الأفضل بسبب تلك القوة الهائلة ، وهي قوة الولاية المطلقة التي منحها الله تعالى لهم سلام الله عليهم يفعلون ما يشاءون بإذن الله تعالى.


نعم فكل سماء وكل كوكب وكل مكان يحتاج إلى ملابس خاصة مع أن كل هذه الأماكن في العالم الجسمي. 


والسؤال هو كيف تكون ملابس الآخرة؟ 


نحن على سفر ، وما هذه الدنيا إلا قنطرة أو مزرعة للآخرة ، ما الذي نحتاجه من الملابس في هذا السفر؟ 


وهل هذه الملابس كافية للآخرة وللقبر وللبرزخ وليوم القيامة وما بعد القيامة؟ 


أو أننا نحتاج إلى ملابس أخرى غير هذه الملابس؟ 


شتان بين الدنيا والآخرة فالفرق بينهما كبير ، فالملابس الدنيوية تشبه بعضها بعضا حتى إذا صعد الإنسان إلى القمر فملابسه تشبه جسمانيا هذه الملابس في سائر الكواكب ، فيكون اللبس جسماني محدد الجهات ، ولكن في الآخرة يحتاج إلى ملابس معنوية نورانية {وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} (التحريم:٨) ، فالأنوار كلها من العقائد ثم من الأعمال الصالحة {وَ الْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:١-٣) فالإيمان والعمل كلاهما يولدان ملابس من نور يساعدان الإنسان في الآخرة أن يعيش عيشة راضية مرضية ولا يكون الإيمان إلا بالولاية {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} (النساء:١٣٦) الإيمان الأول (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) لكن الإيمان الثاني إيمان بالولاية مولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأولاده الطيبين الطاهرين عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.


فالولاية أساس النور ، والأعمال الصالحة حافظة لهذا الأساس. 


فالشجرة الثابتة تحتاج إلى ماء وإلى تربية... الخ ، حتى تنمو وتكبر وتثمر وهكذا الولاية. 


فالمحبة وحدها من دون الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام والحج والزكاة ومن دون سائر الأعمال المستحبة لابد وأن تنهار هذه الشجرة ولا تبقى ، فحب أهل البيت (ع) مع البغض والحسد وإيذاء الناس والمؤمنين لا يجتمعون. 


فالقلب إما لحب علي ابن أبي طالب (ع) أو للبغض والحسد. 


فلذا هذا الحب يحتاج إلى الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وموالاة أهل البيت ومعاداة أعدائهم. 


فيجب على كل مؤمن ومؤمنة عمل كل هذا حتى يحفظ هذه الوديعة المباركة والمقدسة النورانية التي أودعها الله تعالى في قلوبنا والحمد لله رب العالمين والحمد لله على ما هدانا.


فكلنا نصلي ونحج ، ولكن ليس كلنا يخمس فكثير من الناس لا يخمسون أموالهم. 


ألا يعلم الذي لا يُخمس أن هذه الأموال ليست له؟


 السارق إذا سرق تقطع يده فكيف بالذي لديه الملايين ولا يُخمس فهو سارق لمال الفقير. 


فبالخمس والزكاة مواساة للفقير لأنه أخ لك في الإيمان "المؤمن أخو المؤمن من أمه وأبيه، أبوه النور وأمه الرحمة" ، "أنا وعلي أبوا هذه الأمة". 


فهذا العمل لباس للآخرة. فلباس الآخرة هو العمل بالواجبات والعمل بالمستحبات والبعد عن المحرمات و المكروهات.