إصلاح النفس

المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح 

الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره


إصلاح النفس


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين.


قال تعالى: {وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ} (سورة النحل:٦٦).


لقد أودعت أجهزة الاصلاح والتصليح في باطن كل شخص ، وكل شيء !!!


انكم ترمون النفايات خارج البيت كل يوم ، تحملون التراب والرماد ، والأطعمة الفاسدة ، والغذاء البائت ، ومسودات الأوراق ، واعقاب السجائر ، والقشور ، وسائر الأوساخ الى الرصيف لتحملها سيارات البلدية بعيدا عن دوركم ، تحملونها بحذر ويقظة كي لا تتلوثوا بميكروباتها الخطرة وتدفعون المبالغ الكثيرة لاخراج القذرات من (بالوعة) البيت ، لتنقل الى الصحراء أو يستفاد منها كسماد للبساتين.


ولكن هل تعلمون أن ذرة صغيرة منها لا تذهب هدرا ، بل تحولها الأشجار والنباتات بفضل القدرة التى أودعها خالق الطبيعة فيها الى فواكه جميلة ، وثمار يانعة ... وهذه النباتات تحول النفايات والقذرات الى ازهار زاهية المنظر ، وحديقة غناء ، وبساتين جميلة !!!


انها تصنع النعم الجمة للمجتمع البشري ، و الحيوانات ، على حد سواء.


حتى الأجساد المهترئة ، والهياكل المتعفنة تتغير ماهيتها بواسطة النباتات الى مداد معطرة وطيبة المذاق ، ونافعة . 


أجل !! فقد أودعت أجهزة الاصلاح في باطن كل شخص ، و كل شيء.


الا ترون كيف أن الصانع الحكيم يخرج من بين الدم والفرث والمواد الباعثة على التقزز والاشمئزاز في جوف الأم ، لبنا طيب المذاق ، سائغا طاهرا ، يعتبر افضل الأطعمة للأطفال الرضع؟!


هذا الحليب الذى يغطي حاجة الحيوانات في ارضاع صغارها ، ويزودنا بأنواع الزبد ، واللبن ، والجبن والقشطة. 


جلت قدرة البارى ، وعظمت خلقته ... حيث أودع هذا التأثير الكيمياوي العجيب في أثداء الأمهات من بني الانسان ، وسائر الحيوانات . 


مثل هذا التحول والتغيير الطبيعي تجده في سلوك الأشخاص الخيرين ، ورجال الأخلاق الفاضلة والسلوك الممتاز


 ان المصلحين في المجتمع ، رغم كونهم أعضاء في لجنة القوى الوهمية والغضبية والشهوية ، تترشح منهم صفات ممتازة وخصال حميدة ، فيصبحون نماذج للكمال البشري.


 من الصعوبة بمكان أن يعيش الانسان في بيئة مليئة بالأبالسة ، مشحونة بالوحوش والسباع ، منغمسة بعباد الشهوة وطلاب الهوى واتباع النفس الأمارة بالسوء ... ويكون في الوقت ذاته محتاجا الى وجودهم والتعايش معهم ، فلا تؤثر فيه وساوسهم ، ولا تجرفه صفاتهم الدنيئة ، بل يقتبس من وسط ذلك الفضاء الملوث والجو المسموم ، ومن اعماق تلك البؤرة العفنة درس الانسانية ، ويتلو (رسالة الانسانية) ، ويشق أستار الجهل السميكة وحجب الفساد ، فيسير وراء لمعة الحقيقة ، وقبسة الهداية ، فيستنير بنور الهدى والصلاح والرشاد. 


لا شك أن ذلك ليس عملا هينا ... انه يحتاج الى نبوغ ، ومهارة . يتطلب دقة ، وتفوقا . يستلزم عقلا واعيا ، وايمانا عميقا!! 


ان مصنع الأنسنة (صياغة الانسان صياغة كاملة) هو الذى يوجد من تركيب الطبائع المختلفة ، موجودا معتدلا جميلا ... وان لطف الصانع الرحيم الكريم هو الذي يخرج من بين جماهير البهائم ، انسانا يملك صفات الملائكة.


وكذلك هؤلاء الشبان الطاهرون الذين يعيشون في بيئة فاسدة ، فانهم رغم شبكات الفساد والدعارة ، ورغم الدعايات المليئة بالانحراف والضلال ... يختارون العقيدة الصحيحة ويلتزمون بالسلوك المستقيم ، ويسيرون في جادة التوحيد والصراط المستقيم .. 


هؤلاء لا يقلون اهمية عن الحركة الاصلاحية المستمرة في الطبيعة ، بل يشبهون الطبيعة في الفصل بين الخير والشر ، والصالح والفاسد. 


انهم يبدلون الفاسد الى صالح!! وهذا شأن العقل المدرك ، والذكاء الفطين ... فانه يستطيع الافادة من كل الامكانات لصالح الهداية والصلاح.


 أجل !! فقد اودعت أجهزة الاصلاح في باطن كل شخص ، وكل شيء. 


لكن ذلك كله يتوقف على الفتوة والشهامة !! يحتاج الى رجل ينازل الأبطال ، ويتحدى منافسيه العنيدين وينتصر على الأعداء الخارجيين والخصماء الداخليين. 


ليس كل من يحمل المظهر الانساني رجل هذا الميدان وليس كل بطل كفؤا المبارزة عفريت النفس الشريرة !!. 


بل ان الرجال الذين وهبوا انفسهم لله ، وتخلقوا بالأخلاق الملكوتية ، وتنكروا لزينة الحياة الدنيا وسفاسفها ، هم القادرون على التخلص من الشياطين والأبالسة ، كي يظهروا على حقيقتهم الناصعة ، ويحققوا سعادة الدنيا و الآخرة.