خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
العبودية جوهرة كنهها الربوبية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل وأزكى السلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.
إن أهم وأعلى وأسمى مقام ودرجة لأولياء الله عز وجل أمام عظمة وكبرياء الله جل وعلا هو مقام العبودية ، أي إظهار غاية الخضوع والخشوع لله عز وجل ، والإحساس بمنتهى درجات الخضوع والذل أمامه جل وعلا، وكلما كان هذا الإحساس في العبد أعمق وأقوى كان ترقيه في مقامات القرب الإلهي أكبر وأسرع ، حتى يصل إلى مقام لا يرى فيه إلا الله عز وجل.
وإننا لو دققنا في حياة أولياء الله ، وخصوصاً محمد وآل محمد عليهم السلام، لرأينا أنهم قضوا عمرهم الشريف من أوله إلى آخره في عبادة الله عز وجل ، وهم على الدوام منقادون ومطيعون للإرادة الإلهية ، وما نقل لنا من أوصاف لعبادتهم هي أوصاف ظاهرية تتسم بالطابع الإرشادي والتعليمي، أما حقيقة عبادتهم ومقامهم عند الله عز وجل فهو مما لا تدركه عقولنا ، لأن مقامهم أسمى من مقامنا بما لا يعد من المراتب ، ولا يمكن للداني أن يدرك مقام العالي أبدا.
أما ما يستفاد من آيات القرآن الكريم وأخبار أهل البيت عليهم السلام فهو أن مقام عبوديتهم الحقيقي هو مقام الولاية الإلهية الكلية، والذي منشأه ومركزه خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله ، ومظهره مولى المتقين أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء والأئمة المعصومين عليهم السلام.
إن مقام العبودية والربوبية والولاية هو مقام التربية الظاهرية والباطنية لعوالم الإمكان بواسطة أولئك الأجلاء سلام الله عليهم، وبتعيين من الله عز وجل ومع ذلك لم يستغن ولم يغفل المعصومون عليهم السلام لحظة واحدة عن عبادة الله عز وجل، ولهذا فإن ذكر مقام العبودية الشامخ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في تشهد الصلاة كان قبل ذكر مقام الرسالة : (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ودرجة العبودية الحقيقية هي عبارة عن عروج من عرصة الناسوت إلى ذروة اللاهوت ومقام أو (أدنى) الذي أشار إليه في قوله تعالى : {قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} ، وعبارة عن السير من الخلق إلى الحق ، ولهذا قال الله عز وجل في آية المعراج المباركة: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ} فذكر رسوله الأكرم بصفة العبودية وليس بصفة الرسالة .
أما مقام الرسالة فهو مرحلة النزول والسير من الحق إلى الخلق ، وفي هذا المورد يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ} وهذا الإرسال الذي هو توأم مع إرسال القرآن هو سير نزولي وقد ذكر الله عز وجل في جميع الآيات المتعلقة بإرسال القرآن كلمات (وأنزلنا) و (نزّلنا) وأمثالهما ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.