خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
معركة كربلاء أساسها الوحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في محكم كتابة الكريم {وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(الأنبياء:٣٠) إن للماء معنى ظاهري وهو الماء الذي ينزل من السماء على هيئة المطر وأما المعنى الباطن فهو نور محمد وآل محمد (صلى الله عليه و آله) فحياة العالم كلها من أنوارهم (ع) وهم (ع) ماء الحياة والوجود والرحمة والعلم وكل صفات الحب والكمال فهي منهم (ع).
ويوم عاشوراء.. يوم الحسين (ع) وأصحاب الحسين وعائلة الحسين .. المدرسة العظيمة التي ظل صداها على مدى الدهور وكان درساً عظيماً في الوحدة قد انطلق من هذه المدرسة التاريخية .. وأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى .. كان من أجلاها صوتا وأعظمها حين قدم الحسين ابنه علي الأكبر (ع) قائلا: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا بنبيك محمد (صلى الله عليه وآله)" - لقد كان شبهاً عظيماً بين علي الأكبر (ع) ورسول الله (صلى الله عليه و آله) وكل من يراه يخال له انه يرى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فكيف بقلب أبٍ يرى مثل هذا الولد يسير إلى الشهادة وهو يتلظى عطشا .. فالأب والابن كلاهما من أعلى مقام الإنسانية الذي حير الأنبياء والملائكة والرسل .. إضافة إلى تضحيات أخرى كثيرة لمولانا الحسين (ع) لم يثبت في التاريخ لها نظير.
إن حب الأمهات لأبنائهم معجزة وكرامة تفضل الله تعالى بها على الأمهات ولكن طوبى وألف طوبى لزوجات الحسين (ع) وألف طوبى لمولاتنا ليلى والدة على الأكبر (ع) حين جاؤوها بشبيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) وقد قُطّع إرباً إربا وجُعل في رداء ما كان يحوى جسده المقطع .. وقد اقبل الحسين (ع) إلى المخيم يسأل زينب (ع) عن ليلى ليعزيها في ولدها وإذ بليلى قد اختبأت في خيمتها خجلا من الحسين (ع).
هكذا كانت واقعة كربلاء التي كان بها بقاء الدين .. ما قامت إلا على أساس الوحدة الكلية الإلهية بين الحسين (ع) وزوجاته، وإخوانه وأخواته .. بينما تجد أن الأمام الحسن المجتبى (ع) كانت زوجته عدوه له .. لذا كان القيام بواسطة الحسين (ع).
وقد مرت علينا وعليكم قصة إبراهيم الخليل (ع) والذي امتحن امتحانا صعباً مستصعب، لا يتحمله إلا نبي مرسل كإبراهيم (ع) حين جاءه الأمر {إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (الصافات:١٠٢)، أخذ بيد ولده إسماعيل ليذبحه، والولد أيضاً راضخاً لأمر الله تعالى ... {يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ} (الصافات:١٠٢) ولكن حين أراد ذبحة، لأن الحديد الحاد على رقبة إسماعيل الرقيقة اللطيفة .. لقد أراد الله تعالى ألا تؤثر السكين على رقبة هذا الطفل المبارك .. وحين طرح إبراهيم السكين أرضاً وقعت السكين على حجر فانشطر الحجر من حدتها ... {يا إِبْراهِيمُ ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} (الصافات:١٠٤-١٠٥) وهكذا كانت إرادة الحق سبحانه ... {وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات:١٠٧) و التفسير الظاهر أن الله تعالى قد انزل كبشا من السماء ... وذبح إبراهيم الكبش في منى فداءا عن إسماعيل فكان فدو القرابين من مناسك الحج.
فرجع إبراهيم (ع) مع ولده إسماعيل (ع) وهاجر تنتظر فلما رأت ولدها سالما فرحت... وعانقت ولدها عناق الأم الولعة المشتاقة لفلذة كبدها … أثناء العناق رأت هاجر اثر السكين على حنجرة إسماعيل فما تحملت ووقعت مغمى عليها .. فأي صبر كان صبرك يا ليلي وأي صبر كان صبرك يا رمله .... وكل أم في طف كربلاء.... عائلة كلها كانت عاشقة لقائدها مضحية في سبيله وسبيل الدين، نالت أعلى مقامات الإنسانية التي لم يسجل لها التاريخ مثيل أبداً.
والعشق لابد أن لا يكون إلا لمن يستحق وهم أهل البيت (ع) ومن يواليهم من العارفين كعلماءنا الأعلام (قدس سرهم الشريف) وعلى رأسهم شيخنا ومولانا الأوحد رضوان الله عليه و حفظ تعالى الباقي منهم.
و العاشق لأهل البيت (ع) يكون متيقناً أن الطهارة المعنوية لا تكون إلا بالاتصال بهم (ع) وحب الحسين (ع) يبقى جاريا في عروق الموالين ... وتظل الشعائر في سبيله كضرب الصدور والسلاسل والسيوف قائمة ومعبرة عن ذلك الحب العظيم ... إن محرم الحرام فرصة عظيمة لغفران الذنوب وكشف الكروب وستر العيوب فقطرة واحده من عين المؤمن قربة إلى الله تعالى تغسل الذنوب والإصرار على الذنب يجعل الإنسان في غفلة فيموت بغتة بلا توبة.
إن الحسين (ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة، تفضل عليه تعالى بأن جعله رحمة لعبادة ... هو وصحبه الذين استشهدوا معه والذين كان حبهم هو الحب الحقيقي أن قطعوا إرباً إرباً في حب المحبوب الحسين (ع) حبا لا غلو فيه.
فبلغوا رتبة الشهداء الذين لم يسبقهم سابق ولم يلحق بهم لاحق ولولا استشهاد الحسين (ع) وصحبة لما سمعت كلمة (الله) في العالم كله... فلا مساجد ولا كنائس ولا معابد فلنجدد البيعة مع مولانا أبي عبدالله الحسين (ع) في محرم الحسين.. وأيام عاشور المعول الجبار الذي يهدم ما بناه الطغاة لهدم الدين، وهو انتصار الدماء الطاهرة الزكية على سيوف الظالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
إعداد: لجنة الدراسات الإسلامية بحوزة النورين النيرين (ع)