خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
إعجاز تربة الإمام الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي أبدأ حقائق الممكنات من أنوار آثار مشيّته، وأخترع أعيان الموجودات من أشعة مظاهر إرادته، وصور حدود الماهيّات على هياكل ما أختاروه عند إجابة دعوته، ثم أمضى عليهم بما قضى إظهاراً لسعة رحمته، وإكمالاً لتمام نعمته والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد (صلى الله عليه و آله) الذي جعل جوهر عبوديته كنهاً لمقام ربوبيته، وخلق ربوبيات عوالم الأنوار من أسفل مراتب عبوديته وعلى آله وأهل بيته مصابيح الدجى والمثل الأعلى الذين جعلهم الله محال مشيته وألسنة إرادته ومعادن علمه وحكمته ومخازن سرّه ورسالته وآيات معرفته و حفاظ شيعته وشريعته.
هنا بذهن كاتب هذه السطور - بتداعي المعاني - موضوع سأذكره من باب التذكير للأخوة والأخوات من القرّاء الأعزاء، وخصوصا بعنوان الشكر لله عزّ وجل ولإثبات إعجاز تربة كربلاء المقدّسة.
أتذكر في الأيام التي كنت ساكنا فيها في مدينة تبريز أن أحد شباب العائلة قد أصيب بمرض روحي غامض، ولشدة مرضه فقد الحالة الطبيعية لأصابعه، وبعض أعضاء بدنه تغيّر شكلها، فرجع إلى أطباء ذلك الزمان الحاذقين، واستعمل أدوية كثيرة ولكن بقي الأمر بلا فائدة، وأخذ مرضه يشتد يوماً بعد يوم حتى يئس جميع الأطباء من علاجه.
وفي إحدى ليالي شهر محرم الحرام وبعد الغروب وأداء فريضتي المغرب والعشاء ذهبت لعيادة ذلك الشاب فوجدته في حالة صحية سيّئة جداً، ورأيت أن مرضه ذاك قد وصل إلى أشد درجاته وهو يتحمل العذاب الشديد، فاحتملت أنه لو استمر به الحال كذلك فستبقى معاناته حتى الصباح، لقد المتني رؤيته على هذه الحالة بشدة وعمّ وجودي الغمّ الشديد - وكنت رأيت من آثار أهل البيت عليهم السلام أنّ من مُلئ قلبه بالحسرة، وبكى من أعماق قلبه مع خالص النية على مظلموميّة سيّد الشهداء عليه السلام، فإنّ غمه سينجلي عن قلبه ولم يعد لدي القدرة على التحمل فنهضت وقصدت المسجد المجاور لمنزلنا حيث كانت تقام فيه مجالس العزاء في ليالي شهر محرّم الحرام أتذكر مصائب مظلوم كربلاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
وبعد أن صعد أحد الخطباء المنبر وقال: (السلام عليك يا أبا عبد الله) ذكر لنا ومن دون أية مقدّمة أنّ رجلاً كان لديه مرض لم تنفعه مراجعة الأطباء، وقد عجزوا عن علاجه، فحلّ اليأس في قلبه ، فتوجه إلى قبلة الحاجات إمام زمانه الإمام الصادق عليه السلام، وشكا إليه الحال وسأله الشفاعة إلى الله عز وجل في شفاء مريضه.
فمكث الإمام قليلا ثم قال وعينه تغصّ بالدموع ما معناه: عندك تربة جدي الحسين عليه السلام في المنزل؟
فقال: نعم يا بن رسول الله.
فقال عليه السلام ما مضمونه: ضع جزءاً منها في ماءٍ طاهر و أسقه فسيشفى ببركتها إن شاءالله تعالى.
ثم قال ما مضمونه: إذا كان لديكم مريضٌ فاعرضوه على الأطباء فإن لم يشفَ ويئستم فإلينا، فإن دواء عللكم التي لا علاج لها عند آل محمد عليهم السلام.
وعند سماعي لرواية الخطيب هذه، أصبحت كالذي استيقظ من نومه، فنهضت من مكاني بعد انتهاء المجلس. وذهبت إلى الدار وأخرجت مقداراً قديراً قليلاً جداً من تربة الحسين عليه السلام كنت أحتفظ بها في منزلي، ووضعتها في نصف قدح شاي وخلطتها مع الماء، ثم أخذتها إلى المريض فلما أحس بقدومي نظر إلي بعينين يائستين
قلت: كيف حالك يا عزيزي؟
قال: كما تراني
قلت: لقد جئتك بدواء ستتناوله الآن، فتشفى ببركته إن شاء الله تعالى وستنهض غداً من فراش مرضك بعافيةٍ ونشاط لتذهب إلى المدرسة.
ثم ناولته ذلك الماء فشربه. وأقسم بصاحب تلك التربة المقدسة أن ذلك الشاب نهض من فراش مرضه في تلك الليلة قبيل الصبح فأدىّ صلاة الصبح ثم تناول طعام الإفطار بشهيّة وذهب إلى مدرسته بنشاطٍ واجتهاد كاملين.
وهو إلى اليوم وبعد مرور خمس وعشرين سنة على ذلك التاريخ يعيش حياته بنشاط تام، وهو الآن متزوج وله عدة أولاد، ويتمتع بصحة وعافية ببركة التربة المقدّسة للحسين عليه السلام، و الحمدلله رب العالمين.
وقد ورد في فضل تربة أبي عبدالله الحسين(ع) المقدّسة، عن المعصومين عليهم السلام: "إنّ الحور العين إذا أبصرن بواحدٍ من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمرٍ ما يستهدين منه السبح والتربة من طين قبر الحسين عليه السلام".
ولا يترك القول إن الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام أو بالآيات القرآنية أو بالأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة (ع) كما ورد في حديث الإمام الصادق عـلـيـه السلام في الرواية أعلاه- كان بعد أن يئس الأطباء من معالجة المريض، كما أن شرط تأثيره هو التوجّه والإخلاص والإيمان الكاملين، وأي عملٍ خالٍ من التقوى والطهارة الظاهرية والباطنية فليس له اعتبار عند الله عزّ وجل، وليس له ثمر للإنسان.