خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
يا علي ما مثلك في
الناس إلاّ كمثل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي أبدأ حقائق الممكنات من أنوار آثار مشيّته، وأخترع أعيان الموجودات من أشعة مظاهر إرادته، وصور حدود الماهيّات على هياكل ما أختاروه عند إجابة دعوته، ثم أمضى عليهم بما قضى إظهاراً لسعة رحمته، وإكمالاً لتمام نعمته والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد (صلى الله عليه و آله) الذي جعل جوهر عبوديته كنهاً لمقام ربوبيته، وخلق ربوبيات عوالم الأنوار من أسفل مراتب عبوديته وعلى آله وأهل بيته مصابيح الدجى والمثل الأعلى الذين جعلهم الله محال مشيته وألسنة إرادته ومعادن علمه وحكمته ومخازن سرّه ورسالته وآيات معرفته و حفاظ شيعته وشريعته.
ورد في التفاسير أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: "العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: لكل شيء نسبا ونسبتي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}" .
وعلة ذلك أن هذه السورة الشريفة لم يرد فيها ذكر للجنة والنار والدنيا والآخرة والمآكل والمشارب، ولا حتى للحلال والحرام وغير ذلك، بل كانت تتحدث عن التوحيد الخالص ووصف الله عز وجل فقط، عارية عن جميع العوارض والخصائص ومتعلقات الدنيا والآخرة ولهذا وسمت بأنها نسبة الرب، وكل إنسان قرأ هذه السورة المباركة بإيمان وإخلاص واقعيين ليس له هدف إلا مضمون هذه السورة المباركة فقد انتسب إلى الله ذي الجلال، ونسي كل ما دونه، وهذا طبعاً من خصائص أولياء الله، ولا يمكن للناس العاديين.
وحتى أكثر من العاديين الوصول إلى هذا المقام المنيع ومن هنا يظهر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام حينما قال له: "يا علي ما مثلك في الناس إلا كمثل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في القرآن…" أي كما أن سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مبيِّنة لتوحيد الله من أول حياتك إلى آخرها هو تجلِّ للتوحيد و بقاء له، ولم يكن في حياته سلام الله عليه أيّة شائبة في الدنيا و الآخرة أو الجنة و النار أو غيرها.
وحقاً من يمكنه أن يضاهي رجلاً وُلِدَ لِدين الله و (لله) حتى استشهد في سبيل الله و(لله) عزّ وجل؟!
إن عبادة علي عليه السلام كانت كلها لله عز وجل، كما يقول: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".
وعندما بات علي عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله لينقذ حياته من خطر الموت الحتمي والشهادة على أيدي جهّال قريش - وكما يقال إنه كان فدائي النبي صلى الله عليه وآله - كان ذلك أيضاً لله عز وجل، وقد نزلت فيه آية قرآنية وهي قوله تعالى: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} (البقرة:٢٠٧).
وقد أجمع جمهور المفسّرين من أهل الخاصة والمحققين والمنصفين من مفسّري العامة أن هذه الآية المباركة نزلت في ليلة المبيت في شأن أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وعندما بقي علي عليه السلام ثلاثة أيام جائعاً وقد أعطى غذاءه للمسكين واليتيم والأسير، كان ذلك طلباً لرضا الله عز وجل وقد نزلت فيه آيةٌ قرآنية وهي قوله تعالى: {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً} (الإنسان:٨-٩).
وقد نزلت هذه الآية المباركة في شأن علي وأهل بيته عليهم السلام باتفاق الفريقين.
وعندما كان علي عليه السلام يضرب بالسيف كان ذلك لله ولدين الله فقط وحتى عندما جلس عليه السلام في داره وترك حقّه القطعي، إنما فعل ذلك لرضا الله ولبقاء الإسلام.
وعندما قَبِلَ علي عليه السلام الخلافة بعد أن جلس في داره خمساً وعشرين سنة وفي ذلك الزمان الحرج والحساس فإنه كان أيضاً طلباً لرضا الله عز وجل.
وفي آخر حياته المليئة بالتوحيد قال: "فزت ورب الكعبة".
لقد ولد عليه السلام في بيت التوحيد (الكعبة) وفتح عينيه على وجه التوحيد (رسول الله صلى الله عليه وآله) واستشهد في بيت التوحيد (مسجد الكوفة) لبقاء التوحيد.
إن سورة (الإخلاص) هي شرح للإخلاص، أما علي عليه السلام فهو الإخلاص نفسه!
وسورة (التوحيد) هي شرح للتوحيد، أما علي عليه السلام فهو التوحيد نفسه!
إن قلمي ليعجز عن توضيح وشرح هذه الحقيقة التوحيدية الجميلة، ولذا سأضعه جانبا بكل حياء وخجل وأطأطئ رأسي معظما ومستسلما أمام كل هذه العظمة والكبرياء.