المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
المبعث النبوي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق:١).
نزلت هذه السورة المباركة -حسب رواية الشيعة- في السابع والعشرين من شهر رجب قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وآله بثلاثة عشر عاماً ، ومنذ نزولها بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة.
يحتفل الشيعة الاثنا عشرية جميعا بهذه المناسبة كل عام ، ويعتبرونها عيداً كبيراً من أعيادهم ، فيقيمون الحفلات والمجالس العظيمة لذلك.
وهناك رواية أخرى تقول بأن الإسراء أو المعراج حصل في مثل هذه الليلة قبل سنة من الهجرة ، ويقيم كثير من المسلمين احتفالات تخليداً لهذه الذكرى.
وإذ كان الشيعة قاطبة يعرفون فضل هذه الليلة ، وعظمة هذه المناسبة ، وقد قرءوا أو سمعوا عنها الكثير ... فلا نتحدث عن الجانب التاريخي من هذه الليلة.
لكن نريد إثارة بعض الأسئلة هنا: هل السرور والفرح ، وإقامة الحفلات والمهرجانات ، واشتراك الحكومات والشعوب ، وصرف الملايين في هذا السبيل ، وتوزيع الحلوى والشربات ، وقراءة المديح والقاء الخطب ، لأجل تكريم بعثة النبي أو لهدف آخر ؟!
إن كان كل ذلك تكريم لبعثة النبي (صلى الله عليه و آله) ، فإن مبعثه الحقيقي مطابق لخلقته ونحن نجهل زمان خلقة العقل الكلي ، والصادر الأول ، بل نوره المستمد من نور الله ، كان ثابتا قبل خلق الأيام والليالي.
"كنت نورا وآدم بين الماء والطين".
هذا الحديث المتفق عليه بين الخاصة والعامة يثبت أن نبوّة نبينا العظيم كانت في غيب الزمان ، وأسبق بكثير من هذه البعثة الظاهرية.
ولو قلنا بأن البعثة الحقيقية كانت في عالم الذر والنفوس ، الذي هو بعد عالم العقل والروح فهو صحيح أيضاً.
إذن فهذا العيد وهذه الفرحة لأجل الرسول (صلى الله عليه و آله) أو من أجلنا؟!
ليست هذه البعثة محدودة بعد انبعاثه حجة على الكون بأسره منذ صدر الخليقة فخراً ومنقبة له.
الذي أتصوّره أن هذا العيد والفرح والحبور إنما هو لأجل أن بعثة الرسول العظيم نقلت البشرية من ظلمات الوحشية والجهل إلى النور والتمدن الواقعي ، وأن الله تعالى أراد إسعادنا بذلك.
سرورنا وابتهاجنا إنما هو بمعرفتنا المربي الأعظم ، وتعرّفنا على قائد عالم الإمكان ، والأمير المطلق لجموع البشر ، إذ بفضله عم نور الهداية كل مكان ، وانتشل الإنسان من حضيض الشقاء إلى قمة السعادة.
إن تعاليم هذا الأستاذ اللاهوتي ، واستخدام جناحي العلم والعمل كانت السبب الأول للتحليق من هوة الناسوت إلى قمة الجبروت ، ومن ساحة الملك إلى فضاء الملكوت ، بل العروج إلى رتبة -أو أدنى- من رتب الإنسانية.
فثمرة هذا التحول العظيم أمران:-
الأول/ التوحيد الكامل، ومعرفة آل الله ،
والثاني/ الاقتداء بأقوالهم وأفعالهم في إطاعة أوامر القرآن للوصول إلى السعادة و السيادة في الدارين.
يأتي سلمان من فارس ، ويتهذب في ظل هذه البعثة ، فيصل إلى درجة يمد يده إلى الثريا فينال العلوم والمعارف والحكم ، ويصل إلى الدرجة العاشرة من الإيمان.
ويأتي أبو ذر من الربذة ، من بين مجموعة من قطاع الطرق فتشمله أشعة الهداية ، ويصل إلى الدرجة التاسعة من الإيمان ، وينال وسام الصدق.
وهكذا يصبح عمار والمقداد ، وميثم ورشيد ، وجابر وهشام ، وشهداء الطف وسائر الشهداء والمجاهدين ، والعلماء العاملين ، والوعاظ المقتبسين من علوم آل محمد -عليهم السلام- بفضل الاقتداء بأئمتهم نجوما لامعة في سماء الإسلام ، وكواكب مضيئة للشيعة.
أجل، مع بعثة هذا الرسول الحبيب ……..