المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
الإستقامة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ} .
الإستقامة من الصفات التي تساعد الفرد والأمة ، والحزب والجماعة ، والشعب والدولة على بلوغ أهدافها ... وتجعل شجرة الآمال والطموحات مثمرة.
ما أن يخطط المرء لعمل ، أو تقرر جماعة القيام بشيء ، وتمهد له بإعداد الوسائل والأدوات اللازمة ، حتى يأتي دور الثبات و الإستقامة في انضاج المشروع وانجاحه.
يجب عدم الاعتناء بالمشاكل والصعوبات ، وعدم القلق تجاه العقبات والموانع ، بل ينبغي الاستمرار والمواصلة بخطة صحيحة ، وعزم راسخ ، وثبات واستقامة.
أجل ، فالنجاح والتعالي ليس أمرا جزافا ولا اعتباطا ، فمن لا يكد لا يحصل على النتيجة.
إن لم تصمد الخشبة التافهة لتعذيب المنشار والمبرد على يد النجار الماهر فإنها لا تصبح مشطاً أنيقاً يداعب شعر الفتيات اليافعات.
و إذا لم يتحمل لعاب فم دودة القز حرارة الماء المغلي ، ولم يخضع لأصابع العمال الخشنة ، فإنه لا يتحول إلى حرير ناعم يلامس جسد النواهد الحسنوات.
والحديد إذا لم يتعرض لوهج النار وألسنته المتقدة ، ولم يخضع لضغط الأجهزة الثقيلة في المصانع ، ولم يصمد أمام هذه الضربات الموجعة لا يستطيع أن يكون طائرة أو باخرة.
انظر إلى ذي الفقار!!
تحمل النار الشديد في كورة الحدادين ، وصمد أمام ضربات المطارق الثقيلة ، فصار حليفاً لقبضة أسد الله الغالب ، واخترق صفوف المحاربين ، وقد هامات المشركين والمعاندين ، وجندل أمثال عمرو بن عبد ود ... فوصل إلى رتبة سامية اقترن فيها اسمه بإسم أعظم رجال التاريخ حيث النداء السماوي: "لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار"!!
اذا نظرنا إلى تاريخ شيعة علي عليه السلام نجدهم صامدين أشد الصمود ، وفي أعلى درجات الإستقامة بوجه الحكام الجائرين من بني أمية وبني العباس ، رغم أنهم كانوا أقلية ... فاستطاعوا بفضل هذه الإستقامة أن ينخروا أساس هاتين الامبراطوريتين الجائريتين.
اذا قورن التعذيب والإضطهاد الصادر من غاصبي الخلافة الإلهية والمسيطرين على مقدرات الأمة ، تجاه شيعة أمير المؤمنين ومحبيه ، بأي اضطهاد في التاريخ ، فإنه أشدها جميعا!!
كانت الضربات قاضية ، واللكمات موجعة ، والاضطهاد شديداً ... تتبعوهم وتتبعوا أئمتهم تحت كل حجر ومدر. فقتلوا منهم من قتلوا ، و شردوا من شردوا !!.
هذه النماذج للإضطهاد كانت تكفي لمحو أمه بأسرها ، وكانت قمينة بازالة آثار و معالم الدين الحنيف ، لكن ذلك كله لم ينجح ، بل ازداد عدد الشيعة يوما بعد يوم ، و أنضم إلى الموالين لأهل البيت عليهم السلام جمع غفير ، فازدادوا قوة و تماسكا و تألقا.
لقد بلغوا في ظل الايمان العميق ، والواقع الطاهر ، والتربية المعنوية الى الدرجات العالية.
وبفضل الصمود والتصدي ، والاستقامة والثبات ، تغلبوا على خصومهم ، ورفعوا لواء التوحيد والتشيع الذي رفعته لأول مرة في التاريخ سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ، سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها … وبعدها قائدنا العظيم فلذة كبد الزهراء عليها السلام الإمام الحسين عليه السلام ، حين صمد في الطف بوجه الطغيان والإنحراف ... وظل الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين يرفعون هذا اللواء واحدا بعد الآخر ، مثبتين بذلك حقانية المذهب ، واستقامة الصراط.
هذه الأمة العظيمة وحدت جهودها في ما مضى لمواجهة تحديات الأعداء والخصوم ، ولكن ما يؤسف له أن القرن الأخير شهد تأثير الأيدي الآثمة التي استطاعت تفتيت وحدة الصف ، فبدلاً من توحيد الكلمة والقوى والجهود نحو الخصوم ، تحولت الخصومات إلى الجماعات المختلفة في الأمة الواحدة ، فراح بعضهم يسدد سهامه نحو أخوته ، ويشهر السلاح بوجه أبناء أمته.
وهذا ما يؤدي الى الخراب والدمار ، والضياع الذي لا يعالج ، ويؤدي إلى محق الدين و ضعف المذهب!!