العلم و العمل

المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح 

الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره


العلم و العمل


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


لا تنحصر فائدة اكتساب العلم وتحصيل المعارف على اطلاع الإنسان علي الحقائق ، وإزاحة ستائر الجهل من أمامه فقط ، بل إن المزية التي توجد في العلم هي العمل به واكتساب مفاخر الحياة. 


وعلى الرغم من أن الاطلاع على الحقائق يتضمن شرفاً كبيراً لكن العلة الغائية هي العمل والتطبيق ، حيث السلّم للتعالي والتكامل في كلا الجانبين: الفردي ، والاجتماعي. 


لنفرض أننا بدراسة مستفيضة عن جوهر الإنسانية ، وصرفنا جهداً علمياً وفلسفياً عظيماً ، واقتفينا أثر الكتب السماوية واقتبسنا من أنوار الأنبياء والأولياء عليهم السلام ، وعرفنا أنّ حقيقة الإنسانية هبطت من مقام الحبّ الإلهي!! أو أنها وجدت من أشعة أنوار العقل الكلّي ، وأدركنا أنّ الإنسان قد خلق من النور الإلهي ، ولكن قل لي بربك: ما فائدة هذه العقيدة بدون العمل؟ وإذا لم يُثمر هذا العمل عملاً نافعاً فإنه لغو وعبث. 


أجل ، فإن مجرد الاطلاع على الحقائق لا يحقّق لنا السعادة. 


إذن فثمرة هذا النوع من المعارف هو أن نتخلق بالأخلاق الفاضلة ، وأن نتحلّى بقوة الإرادة ، فتتصف بصفات الحق ، ونمدّ أجنحة عواطفنا على رؤوس الآخرين! 


وإذا كنّا أشعة من نور الحق ، وجزءاً من الخير المطلق ، فلا بد أن توجد فوارق بيننا وبين من يعتبر نفسه من سلالة القردة ، وإذ كان كلّ فرد يعبّر عن مواريث أسلافه ، فإنّنا يجب أن نحوز تراثاً عظيماً. 


إن عقيدتنا المقدسة - نحن الشيعة - يجب أن تثير في كياننا غيرة الأجداد وإباءهم ، ولذا فإننا يجب أن نستند إلى عزم راسخ في أن نوفق بين أنفسنا وأصواتنا الطاهرة ، ونجعل الآخرين يفلحون من أشعة أعمالنا و صفاتنا.


لقد بات من البديهي أن معرفة فوائد الأطعمة الصالحة ، أو مضار الأطعمة المسمومة لا تفيد شيئاً من دون اختيار النافع والاحتراز عن الضار ، بل علينا أن نتناول الطعام النافع ونمتنع عن تناول الأطعمة الضارّة .


على الحكماء والفلاسفة الذين يدّعون وصولهم إلى مدارج الفضيلة ويزعمون أنهم اطّلعوا على حقائق الخليقة أن يقرنوا علومهم بالعمل ، وإذا كانوا يعتبرون أنفسهم غصناً في شجرة (الأحدية) ، أو ورقة في غصن (الحقيقة) ، أو أشعة من شمس (الربوبية) فعليهم أن يجعلوا سلوكهم منسجماً مع ذلك المقام الشامخ ، ويهتموا بشؤونهم الذاتية. 


وإذا لم يعملوا على طبق عقيدتهم ، فليسوا يحرمون السعادة فحسب ، بل يستحقون العقاب الصارم ، والجزاء القاسي.


 إنَّ (علم اليقين) يتضمن العمل حتماً ، ويدعو إلى التطبيق والتنفيذ. 


أما الذي يكتفي بالزعم ويقف عند حدّ التصورات والخيالات ، فهو غير واصل إلى مرتبة اليقين ، وغير واثق من علمه.