المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
حول خروج الإمام الحسين (ع)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سؤل قدس سره من سماحة الشيخ عبد الله المزيدي حفظه الله: يقول السيد جعفر الحلي في إحدى قصائده في وصف خروج الإمام الحسين عليه السلام.
خرج الحسين من المدينة خائفا
کخروج موسى خائفا يتكتم
وقد كثرت الأقوال حول خروج الإمام الحسين عليه السلام تارة يصفونه بالخوف وأخرى بالسلطان.
ردا على السؤال قال رضوان الله عليه:
إن كلام الحلي ، رضوان الله عليه ، في شعره المعروف: (خرج الحسين من المدينة خائفا) إن كان عن مصدر قوي ، ورواية صحيحة ، فخوفه عليه السلام لم يكن مثل خوف موسى ، فإن موسى ، على نبينا وآله ، وعليه السلام ، كان خوفه من القتل ، ففر من (مصر) إلى (مدين) ، حتى أحس منه نبي الله شعيب عليه السلام هذا المعنى ، حيث قال (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) ، وهو أيضا قد صرح بذلك ، لما أمره الله تبارك وتعالى ، أن يذهب إلى فرعون: {قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} (القصص:٣٣) .
وأما أبو عبد الله ، أرواحنا فداه ، ما كان خائفا من القتل ، وليس من شأنه الخوف ، وهو صاحب الولاية المطلقة ، ومحل مشيئة الله سبحانه ، ومظهر قدرته .
وهو القائل ، بأبي وأمي ، في خطبته المشهورة: "خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة" ونعى نفسه الزكية بكلمات صريحة ، وكان قادما على الموت ، وذاهبا إلى الشهادة ، بأمر من الله جل وعلا ، وقد أشار إلى أصحابه ، في بعض المنازل ، غير مرة ، بل صرح بذلك ، وسمح لهم ، وبالأخص في الليلة العاشرة من المحرم ، أن يذهبوا إلى مأمنهم ، فإنه مقتول .
نعم ، خرج من المدينة مسرعا حتى لا يقع القتال بينه وبين الغاصبين للخلافة فيها ، وقد أعلن أنه لن يبايعهم أبدا ، وكان موعد شهادته أرض كربلاء ، وأن ميعاده مع مولاه ، عز وجل ، على شاطئ الفرات عطشانا ، فخرج منها مسرعاً ، يرجو لقاء ربه ب(نينوى).
فقول الحلي وتشبيهه (كخروج موسى خائفا يتكتم) غير صحيح ، بل خلاف الواقع ، ولا يقاس ابن أمير المؤمنين ، وابن قاتل المشركين ، بابن عمران (ع) ، وهو القائل في آخر لحظات حياته:
تركت الخَلق طرا في هواكا
وأيتمت العيال لكي أراكا
يعني هو الذي استقبل الشهادة ، وسار إلى الموت ، قبل أن يقصده الموت ، كما قال والده الضرغام عليه السلام ، لما عممه المرادي بسيفه في محرابه: "فزت ورب الكعبة".
فهم سلام الله عليهم ، أشوق إلى لقاء ربهم من الطفل إلى محالب أمه ، ومن الظمآن إلى الماء ، فخروجه من المدينة المنورة إلى مكة المعظمة ، ومنها إلى العراق ، كان سفرا قصدا فيه إعلان الجهاد على الشرك والفسق ، وفضيحة آل أبي سفيان ، وآل مروان ، وأداء وظيفة الإمامة ، كخروج جده رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وفراره من مكة المكرمة إلى المدينة ، خوفا من انقطاع وظائفه بقتله هناك ، و عدم تمكين الدعوة الإلهية.
ويمكن أن نجِل نبي الله موسى عليه السلام ، أيضا عن الخوف من القتل ، ونقول: لقد كان خوفه من أن يحرم من أداء وظائف نبوته إذا قتل قبل بعثته للرسالة.
وهكذا نجل الأنبياء والأولياء من الرذائل ، والخوف من الموت ، بإطلاقه رذيلة ، إلا لعلة عقلية أو شرعية ، والفرار من لقاء الرب خسران.
والخوف من الموت ، إما لعدم الإيمان ، أو لضعفه ، أو لعدم إطمئنانه من عمله ، قال سبحانه: {قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}. (الجمعة:٦-٧)
ولا يخاف من الموت إلا سيىء العقيدة ، أو سيء العمل ، وحاشا أنبياء الله وأولياءه من السيئات {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ} صدق الله العلي العظيم.