رحم الله عبداً أحيا أمرنا التحريف و التشويه



خطبة الجمعة - الحكيم الإلٰهي و الفقيه الرباني 

ميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي ٢١شوال ١٤٤٤هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين


السَّلامُ عَلى أئِمَّةِ الهُدى وَمَصابِيحِ الدُّجى وَأعلامِ التُّقى وَذَوي النُّهى وَأُولي الحِجى وَكَهفِ الوَرى وَوَرَثَةِ الأنبياءِ وَالمَثَلِ الأعلى وَالدَّعوَةِ الحُسنى وَحُجَجِ اللهِ عَلى أهلِ الدُّنيا وَالآخِرةِ وَالاُولى وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.


روي عن أبي الصلت الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: "رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا، 

فَقُلْتُ لَهُ : وَ كَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟ 

قَالَ: يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ ، فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلامِنَا لأَتَّبَعُونَا.


أيها المكرمون وأيتها المكرمات ، علماءَنا الأفاضل شبابنا الأعزاء ضيوفنا المحترمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


إِنَّ تبيينَ أصولِ الدين وفروعِه ، تبيينَ الأخلاقِ الحسنة ، تبيين القواعد والمعتقدات التي تهتدي بالناس إلى الصراط المستقيم ، هذه من مهمة الأنبياء والأوصياء والأئمة الأطهار عليهم السلام وتبعهم علماء الدين.


إذا لم يكن هناك التبيين ، فسيكون التشويه والتحريف محله ، وستُفتح فرصةً الإغواء ، وتضليل الناس ، من قبل العدو في مجالات مختلفة.


 لقد كان الأساس المهم لثورة الحسين عليه السلام ، هو تبيين الحقائق ومحاربة التشويه ، وتحريف الدين. 


ففي واقعة كربلاء ثلاثون ألف رجل ، وقفوا ضد الإمام سيد الشهداء ، حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بالتشويه والتحريف ، فاعتقد الأعداء أنهم سيكافؤن بقتل الحسين عليه السلام .


قال إمامنا علي بن الحسين عليهما السلام: "لا يوم كيوم الحسين إزدَلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كلٌّ يتقرب إلى الله عز وجل بدمه ...."


فهذا النوع من التفكير ، نتيجة تشويه وتحريف الدين ، والحقائق .


فلذا يجب الإنتباه أكثر ، لدور إمامنا السجاد وزينب الكبرى عليهما السلام، في تبيين الحقائق ، وعدم تحريفها بعد يوم عاشوراء.


ففي الواقع هما عليهما السلام ، مَنَعا انحراف الثورة الحسينية بخطبتهما في المواضع المختلفة.


فهناك شواهد كثيرة تاريخية في هذا المجال ، انظروا إلى خُطب نهج البلاغة ، فالعديد منها تفسير للواقع ، الذي كان موجوداً في المجتمع في ذلك الزمان.


فمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، يوضح تلك المسائل والحقائق للجماعة ، في منتهى درجة البلاغة والفصاحة ، في وصف أولئك الذين يبغضهم الله ، بقوله عليه السلام : " وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ ، فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ ، وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ ، وَنَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكَاً مِنْ حَبَائِلٍ غُرُورٍ، وَقَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَعَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ ، يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ وَيُهَوّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ ، يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَفِيهَا وَقَعَ وَيَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَبَيْنَهَا اضْطَجَعَ ، فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانِ وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانِ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَلَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ وَالْأَعْلَامُ قَائِمَةٌ وَالْآيَاتُ وَاضِحَةٌ وَالْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَكَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّةً الْحَق وَأَعْلَامُ الدِّينِ وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ….


قام الشيطانُ الرجيم ، بأول تحريف للتاريخ ، عن آدم على نبينا وآله وعليه السلام ، حرّم الله على آدم أن يأكل من تلك الشجرة ، ولكن من خلال تحريف الحقائق ، يتسبب الشيطان في تغيير مصيره ، ومصير البشرية بشكل جذري .


يذكر الله تبارك وتعالى في كثير من الآيات القرآنية ، عن تحريف اليهود لكلمة الإلهيّة:  {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة:٧٥) ، أي اليهود حرّفوا كلام الله على الرَغم من معرفةِ معني كلمةِ الله.


أعزائي المحترمون ، نرى أن التبيين والتحريف ، كانا موجودين من أول البشرية ، إلى زماننا هذا، وسيكونا من الآن إلى آخر الزمان ، زمان ظهور مولانا ومقتدانا صاحب العصر والزمان المهدي المنظر ، أرواحُنا لمقدمه الفِداء.


كيف نُعالجُ المسألة؟


قال تبارك وتعالى في محكم كتابه : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} (فصّلت:٣٠) ، بمعنى أنّهم استقاموا أمام المنحرفين والمشركين والكافرين ، وأصروا على رأيهم رغم عداوة الأعداء.


هناك الكثير من علماء الدين ، الذين جاهَدوا في طريق الحق ، وإزهاق الباطل ، على مرور التاريخ ، ومنعوا عن إنحراف الدين والعقيدةِ الحقة وقد كان الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، من أبرز هؤلاء العلماء الشجعان ، الذي وقفَ أمام العلماء ، الذين أخذوا الحكمة من حكماء اليونان والهند وخلطوها بالحكمة الإسلامية وارتكبوا أخطاء كبيرة في هذا المجال.


فبَين الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي وأتباعه ، لماذا تأخذون الفقه من الأئمة الأطهار عليهم السلام ، من أوله إلى آخره ، ولا تأخذون الحكمة منهم ، بينما أنّ الأئمة الأطهار عليهم السلام هم معدن الحكمة الإلهية ، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الجمعة:٢)


كيف تَتركون المعلّم الحقيقي للحكمة وهم محمدٍ وآل محمد عليهم السلام ، وتذهبون للآخرين.


فأثبت الشيخ الأوحد قدس سره الشريف ، بحجج قوية من روايات أهل البيت عليهم السلام ، أننا لسنا بحاجة للآخرين ، لاكتساب المعرفة والحكمة الحقيقية ، وهذا مخالفُ لِمَنهج علماء ذلك الزمان ، الذين أخذوا الحكمة من مصدر غير حقيقي.


ولهذا لم يَستَطِعَ العلماء الكذبة تحمله ، بل هاجموه بأقسى الافتراءات ، وظلموه ظلماً كبيراً ، فلو تصفحت صفحات كتب الشيخ ، فلن تجد إلا قال الباقر والصادق عليهما السلام وتفسير كلمات الأئمة الأطهار عليهم السلام.


علماؤنا المحترمون الأفاضل ، شبابنا الأعزاء ، اليوم لنا أن نوضح ونبيِّنَ للعالم ، بأي وسيلة ممكنة ، أفكار الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي رضوان الله عليه ، ونشرحَ الشكوك حول كلماته النورانية ، كما علمنا آباؤنا وأجدادنا رغم هجوم الآخرين.


{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا} (فصّلت:٣٠)


أشكر مشايخنا الأفاضل و الشباب الأعزاء الذين يعملون بهذا الواجب الديني في الكويت و الإحساء و الدمام و سائر المناطق ليلاً و نهاراً لتوحيد الكلمة و الوفاق و صفاء القلب.


نذكر علماءنا و آباءنا ، و الشهداء و الأبرار ، شهداء الصلاة والصيام ، وشهداء تشييع والدي المرحوم قدس سره، بالصلاة على محمد وآله الطاهرين ، اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وسلّم ديننا ودنيانا بحق محمد وآل محمد الطبيبن الطاهرين.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته