المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
جمال السيرة و جمال الصورة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .
ليس الجمال الذي هو مركز دائرة العشق ، والشمعة التي تحوم حولها فراشة عالم الوجود ، (جمال الصورة وتناسق الهندام فقط !!).
بل المعرفة والعدالة والسخاء والشجاعة والعطف والحنان والصدق والاستقامة والإباء والكرم والعفة مظاهر للجمال المعنوي.
فأصحاب الأخلاق الحميدة، وإن لم يتمتعوا بجمال الصورة ، لكن بهاء المعنى وجمال السيرة عندهم يغطي على هذا الجانب، فيزدادون رونقاً وجمالاً وبهاء .
ان الذي يهوى جمال الصورة ، ويتبع العشق المجازي يكل عن العشق ، ويعرض عن المعشوق في الغالب ، أما طلاب المعنى والمتيمون الحقيقيون فلا مجال لفرض الكلل والملل في هواهم ، بل تزداد سرعتهم في سلوك مدارج الحب والعشق.
وهكذا يبقى المحبوب الخلقي محتفظاً بمركزه في أعماق قلوب محبيه حتى بعد موته ، ويبقى عشاق المعنى منشدين إليه حتى لو لم يشاهدوه!!
إذا حظيتم بلقاء عالم عامل ، ونظرتم إلى جماله النوراني ... وإذا وجهتم النظر نحو محيا بطل مقدام ، أو إلى إنتصاره وظفره ... وإذا شاهدتم الطالع الأخاذ لخطيب مصقع ومحدث صادق وهو يلقي خطاباً ناجحاً ... متى طالعتكم غرة رجل كريم تقطر يداه بالندى والسخاء ... ومتى وقع بصركم على عيني حاكم عادل وهو يحكم بين الناس بالعدل والقسط والمساواة ... فستعترفون وتصدقون بأن جمال المعنى والسيرة أعظم بكثير من جمال الصورة وتناسق الهندام.
إن لصاحب اللهجة الصادقة وقعاً جميلاً بين نفوس الملتفين حوله ، وللوفي أنصار ومحبون كثيرون في المجتمع ، والشخص الذي يتحلى بالأمانة والاستقامة يكون مهوى أفئدة الأثرياء والنبلاء ، وإذا لم يمن عليكم الخالق عز وجل بجمال الجسم ولطافة المنظر عليكم باكتساب الحلاوة الناتجة من الحكمة والنشاط المتجلي في سمو الروح ، أيها الناس أن الباري سبحانه يحب الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة ، ولذلك فإنه لم يحرق كلا من كسرى: ملك الفرس العادل لعدلة ... وحاتم الطائي: ذلك العربي الذي كان يقطر جوداً وسخاء ، لكرمه ، في حين لم يكونا مسلمين .
أنه يأمر النار لتكون برداً وسلاماً عليهما ، كما أمر النار التي أوقدها نمرود ليحرق ابراهيم الخليل (ع) بها ، لتكون برداً وسلاماً عليه.
الماء والهواء ، والتراب والنار تتعشق الانسانية وتهوى أصحاب الفضائل الخلقية ، هل سمعتم بأن الأرض رؤفت في بطنها بشاب جميل أو فتاه حسناء بعد الموت؟!
فلم تعمل على تفتيت جسميهما !
هل تخلت على إندثار خديهما؟!
وهل أبت عن الضغطة لبلابل الحسن الجسماني الفتان في ذلك القفص الضيق المسمى باللحد ؟!
في حين أنها أحترمت السلطان الإيراني العادل ولم تمد يدها لتنال من جسده شيئاً ،
قيل: أن المأمون العباسي ذهب يوماً لزيارة المدائن ، فأعجب بطاق كسرى وأندهش لمشاهدة ذلك البناء الشامخ ، فقال لأبي العتاهية -وكان نديماً له- أنه يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الأرض لا تمس جسد الشخص العادل بسوء ، وأنا أحب أن ينبش قبر كسرى لأشاهد صدق الحديث المذكور بعيني ، وبالتجربة الحسية.
عندئذ أقدم أصحابه على شق لحد كسرى أنو شيروان ، فرأوا الملك الإيراني العادل جالساً على سريره بطلعته النورانية البهية ، وكأنه لم يمت ، بل أسلم نفسه لنوم هانئ .... أنهم لم يشاهدوا أثراً من التجعد على ملامحه ، هذا المنظر الجذاب بهر المأمون إلى درجة أنه من دون إختيار ، قبل وجه ذلك السلطان العادل !!
أجل ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان بالإضافة إلى الصفات الخلقية العالية ، يمتاز بجمال الصورة أيضاً ، بل كان فائق الجمال ، لكن الله تعالى حين يمتدحه في القرآن الكريم فإنه يثني على خلقه العظيم فقط قائلاً: {وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
فأيها الشاب العزيز ، الذي تقف كل يوم عدة مرات أمام المرآة لتزين نفسك ، وتمشط شعرك ، وتتيه في خيلاء وغرور معتزاً بنفسك .... لیکن إهتمامك بتحسين السيرة أشد من إهتمامك بتحسين الصورة !!
وأجعل زينتك في مقابل الأصدقاء المعنويين الذين هم بمنزلة المرآة ، وأبدأ بمطالعة كتاب الأخلاق لتتدارك انسانيتك.