واقعة الطف المفجعة

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


واقعة الطف المفجعة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.


السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم الحمد لله على عظيم رزيتي اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام … من زيارة عاشوراء.


عن المعصوم (ع): "إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسال دموعنا و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء" . لا يوم كيومك يا أبا عبد الله .


ولما كان يوم عاشوراء ، بقي الحسين عليه السلام وحيدا فريدا ، بلا ناصر ولا معين في أرض كربلاء ، بعد أن قتل أنصاره وأعوانه ، وبنو أخيه وأخته وبنو عمه وبنو أبيه وأولاده ، ولم يبقى أحد سوى العليل زين العابدين عليه السلام .


فالحسين عليه السلام لما رأى وحدته وقتل جميع أنصاره ، ودع عياله وأطفاله الصغار ، وخرج إلى الميدان وبقي واقفا متحيرا متكئا على رمحه ، مرة ينظر إلى أخوته وأولاده وبني أخيه وبني عمه صرعى مقتولين مجدلين ، ومرة ينظر إلى غربته ووحدته وانفراده ، ومرة ينظر إلى النساء وغربتهن ووحدتهن وعطشهن وصيرورتهن أسارى ، ومرة ينظر إلى شماتة الأعداء و تصميمهم بقتل قرة عين العالم .


ثم نادى عليه السلام بصوت عال حزين: أما من ناصر ينصرنا ! أما من مغيث يغيثنا ! هل من موحد يخاف الله فينا !؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . 


فلما نادى عليه السلام هذا النداء ، تزلزلت أركان العرش وقوائمه ، وبكت السماوات وضجت الملائكة ، واضطربت الأرض فقالوا بأجمعهم: يا ربنا ! هذا حبيبك وقرة عين حبيبك فأذن لنا النصره . 


وهو (صلوات الله عليه وروحي له الفداء) في هذه الحالة ، إذ وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة ، فلما فتحها رأى أنها هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا ، فلما نظر عليه السلام الى ظهر تلك الصحيفة ، فإذا هي مكتوب فيه بخط واضح جلي: يا حسين ! نحن ما حتمنا عليك الموت ، وما أنزلنا عليك الشهادة ، فلك الخيار ولا ينقص حظك عندنا ، فإن شئت أن نصرف عنك هذه البلية ، فاعلم أنا قد جعلنا السماوات والأرضين والملائكة والجن كلهم في حكمك ، فأمر فيهم بما تريد من إهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم الله. 


فإذا بالملائكة قد ملؤوا بين السماء والأرض وبأيديهم حربة من النار ، ينتظرون حكم الحسين عليه السلام وأمره فيما يأمرهم به ، من إعدام هؤلاء الفسقة.


فلما عرف عليه السلام مضمون الكتاب وما في تلك الصحيفة ، رفعها إلى السماء ورمى بها إليها ، فقال: يا رب ! وددت أن أقتل وأحيى سبعين مرة - أو سبعين ألف مرة - في طاعتك ومحبتك ، وإني قد سئمت الحياة بعد قتل الأحبة ، سيما إذا كان في قتلي نصرة دينك وإحياء أمرك ، وحفظ ناموس عرشك.


ثم أخذ عليه السلام رمحه ، ولم يأذن للملائكة بشيء ، وباشر الحرب بنفسه الشريفة ، وحمل على أولئك الكفار ، وطحن جنود الفجار ، واقتحم قسطل الغبار ، مجالدا بذي الفقار ، كأنه علي المختار. 


فلما رأوه ثابت الجأش ، غير خائف ولا خاش ، نصبوا له غوائل مكرهم ، وقاتلوه بكيدهم وشرهم ، وأمر اللعين ابن سعد جنده فمنعوه من الماء وردوه ، وناجزوه القتال ، وعاجلوه النزال ، ورشقوه بالسهام والنبال ، وبسطوا إليه أكف الاصطلام ، ولم يرعوا له ذماما ، ولا راقبوا فيه أثاما في قتلهم أولياءه.


وهو مقدم في الهبوات ، ومحتمل للأذيات . وقد عجبت من صبره ملائكة السماوات ، وأحدقوا به كل الجهات ، و أثخنوه بالجراح ، وحالوا بينه وبين الرواح ، ولم يبقى له ناصر ، وهو محتسب صابر ، يذب عن نسوته و أولاده. 


حتى نكبوه عن جواده ، فهوى إلى الأرض جريحا ، تطأه الخيول بحوافرها ، وتعلوه الطغاة ببواترها . قد رشح للموت جبينه ، واختلفت بالانقباض والانبساط شماله ويمينه ، يدير طرفا خفيا إلى رحله وبنيه ، وقد شغل بنفسه عن ولده وأهاليه ، وأسرع فرسه شاردا ، إلى خيامه قاصدا ، محمحما باكيا.


فلما رأين النساء جواده مخزيا ، ونظرن إلى سرجه عليه ملويا ، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، للوجوه سافرات ، و بالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعه مبادرات.


والشمر جالس على صدره ، مولع سيفه في نحره ، ذابح له بمهنده ، قد سكنت حواسه ، وخفيت أنفاسه ، ورفع على القناة رأسه ، وسبي أهله كالعبيد ، وصفدوا في الحديد ، فوق أعتاب المطيات ، تلفح وجوههن حر الهاجرات ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة إلى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق.


فالويل ثم الويل للعصاة والفساق ، قد قتلوا بقتله الإسلام   ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن والأحكام ، وهدموا قواعد الإيمان ، وحرّفوا آيات القرآن ، وهموا في البغي والعدوان. 


فقام ناعيه عند قبر جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنعاه إليه بالدمع الهطول قائلا: يا رسول الله ! قتل سبطك وفتاك ، واستبيح أهلك وحماك ، وسبيت بعدك ذراريك ،  ووقع المحذور بعترتك وذويك. 


فانزعج الرسول صلى الله عليه واله وسلم وبكى قلبه المهول ، وعزاه به الملائكة المقربون ، والأنبياء والمرسلون ، وفجعت به أمه الزهراء ، واختلفت جنود الملائكة المقربين ، تعزي أباه أمير المؤمنين عليه السلام ، وأقيمت له المأتم في أعلى عليين ، ولطمت عليه الحور العين ، وبكت السماء وسكانها ، والجبال وخزانها ، والهضاب واقطارها ، والبحور وحيتانها ، ومكة وبنيانها ، والجنان وولدانها ، والبيت والمقام ، والمشعر الحرام ،  والحل والإحرام ، وكل شيء دخل في الوجود واقر بالمعبود ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.