كأنها كوكب دري

المرجع الديني الكبير المقدس الحاج 

ميرزا علي الحائري الإحقاقي قدس سره


كأنها كوكب دري

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .


قوله تعالى: {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}


أقول: الزجاجة هي الوعاء والحافظة لنور المصباح عن الانطفاء وجامعة له عن الانتشار ، فهي بأي امام أو معصوم فسرت تكون اشارة الى ذلك المعنى ، فإن فسرت بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما في عدة أخبار فلكون النبوة ما ثبتت قوائمها ولا شيدت قواعدها ولا إخضر للإسلام عود ولا قام له عمود الا بسيفه وعلومه ومعاجزه وجهاده في سبيل الله أولا ، وبقضاء ديون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانجاز عداته وانفاد وصاياه وحلمه وصبره وحَلِّه لمشكلات المسائل وغيرها وثباته للمعضلات والشدائد ثانيا ، ولولا ذلك لانطفىء نور مصباح النبوة وتلاشت مبانيها.


وإن فسرت الزجاجة بإمامنا الحسين عليه السلام فواضح ذلك أشد الوضوح اذ لولا نهوضه لكفاح عتاة الأمويين بعدم بيعه ، وقبول المظلومية والشهادة لنفسه ولشبانه وأطفاله ورضعانه وأسرة الهاشميات من عقائل النبوة والولاية وتحمل ما جرى عليهم من المصائب وتشهيرهن من بلد الى بلد ومن غاشم الى غاشم لما تنكس عرش بني أمية ولما تزلزلت أركانه ، ولإنطمست آثار الاسلام بالمرة وانفصمت عرى الدين بشر اشره وضاعت زحمات النبي وتعبه وكده ، فبشهادته عليه السلام أسفر الحق عن ظلامه وبمظلوميته تقشعت غياهب الباطل عن تراكمه ، فان صرخة مظلوميته أصمت صماخ الدهر وملأت آذان المشارق والمغارب وامتد صداها الى يوم الحشر ، فامتاز الحق عن الباطل تمام الامتياز ، وما هلك من هلك الا عن بيّنة وما حيى من حيى الا عن بيّنة بما أخذ عن ساعد الدين وملك قلوب المتدينين ودوخ الدنيا بحذافيرها بعجائب نهضته وأذهل أحلامهم بغرائب بل بدائع سیاسته وحكمته ، وما بقي على وجه البسيطة أحد هناك حافظ لنور النبوة عن الانطفاء الا زجاجته؟ ولاشك أنه هو المعنى باطنا في قوله تعالى: {وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} كما في بعض الأخبار.


وفسرت الزجاجة بسيدة النساء والأنسية الحوراء فاطمة الزهراء عليها السلام فنعما هو ، وهل تبين ظلم القوم إلا بمقامها؟ وهل تحقق غضب الله عليهم الا بغضبها وعدم رضاها ، لأن من أغضبها فقد أغضب الله ورضاه في رضاها ، وهل ثبت أصل شجرة الولاية أو تنشبت عروقها الا بصبرها وانشائها لتلك الخطبة الغراء بين حشد من المهاجرين والأنصار؟ وهل خفي على أحد حقيتها وصدق دعواها وصحة مقالتها أو تنكر مظلوميتها وغصب نحلتها علنا على رؤوس الأشهاد؟ وهل سيدة أو بنت نبي أصيبت كمصيبتها حتى قالت:

صبت علي مصائب لو أنها 

صبت على الأيام صرن لياليا


وأيم الله لقد أحكمت حكمتها وكملت سياستها بما أوصت بدفنها ليلا سرا ، فقد ميزت بهذا المؤالف عن المخالف وأسفرت عن الحق تمام الاسفار ، فهنالك إرتطموا في الفضيحة والعار إرتطاما وأيقنوا أن غضب الله كان لهم لزاما.


المصدر: الكلمات المحكمات 📖