المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
الله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
باسمك المقدس ، يا واهب الوجود ، أُزين الصفحة الأولى من مجلة الفجر الصادق ، وقد شدّني الشوق للقاء المحبوب إلى سلوك طريق الحق والحقيقة في أتم النشاط ، ها هو جمالك الفتان الذي سخّر روحي القوية بجاذبيته الإعجازية ، وها هو حسنك الأخاذ الذي ضمن وجودي بتجليه الوديع.
إن فؤادي ينظر إليك بعين البصيرة ، وقلبي يسمع نغمك الربوبي في كل آن ، لقد دنس هؤلاء الفلاسفة ، ذوو النظرة القصيرة ، الجمال الطبيعي والحسن الأصيل لمعرفة الله بغبار الإستدلال ، ولذلك استدلوا من البراهين الفلسفية والمنطقية حجاباً على أنفسهم دون الحقيقة ، أيها الغافلون! الذين قصرتم هِمَمَكم على الصغرى والكبرى ، ورحتم تنظرون النتيجة، متى قويتم على النظر إلى جمال الباري تعالى ، وأَنَّى لكم بمشاهدة أشعة كبرياء الملك الذي بيده كل شيء؟!
كيف يمكن للجمال الطاهر أن يُنظر إليه بعين غير طاهرة؟! وأَنَّى يتسنى الوصول إلى ذلك النور البسيط بتركيب العقل؟!
إن معرفة الشمس الساطعة التي غمرت العالم بضيائها لا تفتقر إلى دليل وبرهان.
وأنتم لا ترون غير المنطق الذي هو أداة مصنوعة بيد الفكر البشري والخيال الأدمي شيئا.
إنكم لا تملكون مرآة غير البرهان الذي هو نتيجة مجموعة من أوهام المخلوقين ، تعالوا نرفع هذا الحصار الحديدي الصلب!
حتى تدرك معاينةً بالقلوب الطاهرة أشعة الأنوار الخالدة ، تعالوا تتحرر من حيرة الجدل الفارغ، ونترك الصخب والضوضاء ، انظروا بعين الفؤاد ، وتصفحوا الوجود بالبصيرة ، وشاهدوا تلألؤ شمس الشموس على صفحات الكون وعالم الخلق، إنكم تتصورون الإله المجهول لديكم في أبعد زوايا الإمكان ، حيث تظنون أنه ينبغي لمعرفته أن تَعبروا من الدهاليز الملتوية للفلسفة ، وتقطعوا الأزقة الضيقة للمنطق، حتى تصلوا إليه.
حين أتصفح كتاب الآفاق أراد جامعاً لفضائله ، وشاهداً لجماله.
هذا الكون الفسيح الذي رسمت رموز التوحيد على صفحاته بحروف فضية ونقاط وهاجة … وهذا الفضاء اللامتناهي الذي يقوم ممثلوه السماويون برقصات فنية ، وغمزات ساحرة ، في حركة دالية وسريعة ، وهياج مستمر ، حول محور الوحدة ... ألا يكفي كل ذلك شاهداً على اليد العظيمة القادرة في عالم الوجود؟!
عفوا فقد أخطأت ... ذلك أن تجليات ذلك الشاهد الجذّاب ، والملك الخالق المهيمن لا تترك مجالاً للالتفات إلى هذه المرائي .
وأنتم أيها المساكين!! لا تذهبوا بعيداً ، تعالوا وانظروا إلى حقائق الآفاق في إطار حقيقة ذاتكم ، فإن الذي صور الإنسان بصورة أصفى وأجلى ، وأن عين البصيرة تشاهد قوام المحبوب الأخاذ أوضح من أي عين أخرى .
يا الهي ... لقد عُجنت طينتي الطاهرة بحبك منذ أن خلقتني ، وعرَّفت البلبل الغريد لحقيقتي بألف أسم وأسم من أسمائك الحسنى .
والآن رغم مرور السنوات الطويلة ، أشكرك يا إلهي على أن طبعي الهرم لا يزال فتيا في طريق عشقك الفتان ، وعلى أن شجرة محبتك ومعرفتك لا تزال ضاربة بجذورها في أعماق وجودي ، تنشر أغصانها الوارفة ، وتتفتح أوراقها الخضراء ، فتمد بالثمار الطيبة والفواكه الناضجة .
أنظر ، كيف تحوم حمامة روحي حول شجرة الطور . تحط كل حين على غصن أخضر مشع بالأنوار ، تطلق الضحكات وتزغرد بالألحان ، وتحكي عن وحدانيتك وكبريائك القصص والحكايات .
إن المتبجحين بحبك سلكوا جميعاً الطرق الملتوية ، وأطلقوا الآهات والحسرات أما أنا فأحكي كالبلبل المتعلم حديثاً نغمة وصالك بابتسامة مرضية ، وألحان خلابة ، وأتقدم كفراشة ماهرة، في صمت وهدوء ، لإحراق ريشة أنانيتي في لهيب العشق.
يا واهب الوجود ، ليس عجيباً أن تمنح الهدهد الحقير جناح جبرائيل ، أو تهب النملة الضعيفة ملك سليمان ، أجل فأية قيمة للقصور الفخمة والعمارات ناطحة السحاب تجاه طبعي المحلق والمستقر في (القصر المشيد) لمعرفتك .... تلك العمارات التي شيدتها يد المجرمين المغرورين بقدرتهم ، وليت شعري!
أية قيمة للكنوز المليئة بالذهب والفضة ، التي يمتلكها عدد من البخلاء المتظاهرين بلباس البشر في قبال الثروة العظيمة التي أملكها حيث أملك أعظم الأحجار الكريمة في الوجود وهواستشعار حبك في قلبي .
وعيني التي لا يرضيها إلا النمط العالي والتي اعتادت على النظر إلى الحبيب ، وهو مستغرق في الجمال والكمال ، وهو يقنعها الغول الممتلئ أنانية وغروراً.