سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
فاتبعوني يحببكم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
يقول تعالى في كتابه الكريم {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ} (الملك:٣)
لما كان الظاهر دليل الباطن فقد أظهر جميع الخلق الفقر و العبودية و المسكنة في هذه الدنيا ، وهو دليل على ما كان في العالم الأول لما أوقفهم ربهم تعالى ذكره في حجاب عزه وسرادق مجده منقطعين إلى جلال وجهه الكريم وعنت الوجوه للحي القيوم ، فوضع كل في موضعه ، فكانت الرتبة العلية والرتبة السنية للأطهار وآله الأبرار (صلوات الله عليهم أجمعين) ، فلم يبق ملك مقرب ولم يبق نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلا عرَّفهم جلالة أمرهم وعظم خطرهم وكبر شأنهم وتمام نورهم وصدق مقاعدهم وثبات مقامهم وشرف محلهم و منزلتهم عنده و جاههم لديه .
فعرف الكل فقره و أن لا طريق إلى الله إلا بهم (ع) ، و أنه لولاهم لما عُرف الله ، و لولاهم لما عُبد الله لأنهم الوجه المعرِّف له سبحانه ، من عرفهم فقد عرف الله و من أطاعهم فقد أطاع الله و من أحبهم فقد أحب الله لأنهم {وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأنبياء:٢٦-٢٧) ، و هم الآيات و المقامات التي لا فرق بينها و بين ربها إلا أنهم عباد و خلق .
فمن أدرك الاختبار، وعلم أنه ابتلي بالبعاد عن الديار وتجرع ذل الإدبار بعدما التفت للأغيار ، فلحقه ما لحقه من غبار الأكدار لن يتأخر عن الاستجابة لنداء الإقبال وإن كان غافلاً عن مقاماته التي تنزل منها ، بعدما بعدت الشقة بينه وبين الحقيقة ، فلا يستنكف أن يأخذ ممن بلغ المراد ويشرب ممن سبقه إلى شرب صافي المحبة ليصل إلى الفوز العظيم بمعونة من تكفل تقديم العون للمستضعفين غير القادرين على العودة في قوس الصعود من دون معين .
ولاختلال الموازين ظاهراً في عالم الدنيا حين طغى وسيطر ذو الرتبة الدنيّة على مقام السيادة و الرتبة العلية ، نرى تأثير اللباس البشري وقد أصبح قيداََ على الأرواح و حجراََ على العقول ، فما إن يظهر للعبد شيئاً من مقاماتهم (ع) ظنه أمر عظيم وخطب جسيم ، فلا ينجوا أحد من ذلك إلا بالتسليم {فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:٦٥) ، فلو عرف العباد الحقيقة وعاينوها لأدركوا أنه ما ظهر لهم إلا بمقدار سم الإبرة من عظمة الله وكبريائه وقدسه الظاهر بمقامات الأطهار محمد وآله الأبرار (صلوات الله عليهم أجمعين) ، فيكون الظاهر لهم صفة نقصان لا صفة كمال لأنه ظهر لهم بهم و بقدرهم .
فكلما بلغ العارف مبلغاََ في التوحيد و المعرفة يظهر له من مقامهم (ع) برتبته ، فيعرف ما لم يكن يعرفه إلى أن يبلغ مبدأه ، ولا شيء وراء مبدأه لأنه معدوم فوق رتبته و منتفي ، فإدراك السافل للعالي ليس إلا ظهور العالي في رتبه المدرِك له به ، لأن العالي جوهر للسافل ، و هذا الظهور هو عين وجود السافل بجهتيه العليا و السفلى و الذي يعد عرضاََ للعالي .
ويبقى السافل فقيراً ومحتاجاً للعالي لأنه أثره ، فلا بد أن يبقى السافل واقفاً بباب العالي ولائذاً بجنابه ليحبه ، فإذا أحبه عرّفه نفسه من خلال إظهار ما نقشه في ذاته لأنه صفة العالي وكلمته .. كلمة المحبة والعلم والجمال والجلال والكبرياء والنور ، وهذه الكلمة يعرفها السافل بنفسه حين يكشف السبحات عن الجلال من غير إشارة فيعرف أنه الخطابي الشفاهي الفهواني ، وهذا لا يكون إلا لمن امتثل قول الشاعر:
أعدم وجودك لا تشهد له أثراََ
ودعهُ يهدمه طورا ويبنيه