الحب و البغض و الكفر




خطبة الجمعة -الحكيم الإلٰهي و الفقيه الرباني

 الميرزا عبد الله الأحقاقي ١٦ ربيع الآخر ١٤٤٤هـ


الحب و البغض و الكفر


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


 السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَوضِعَ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفَ المَلائِكَةِ وَمَهبِطَ الوَحي وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الأبرارِ وَدَعائِمَ الأخيارِ وَساسَةَ العِبادِ وَأركانَ البِلادِ وَأبوابَ الإيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحمنِ وَسُلالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفوَةَ المُرسَلِينَ وَعِترَةَ خِيرَةِ رَبِّ العالَمِينَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .


قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة:٢٢)


أيها المكرمون و أيتها المكرمات ، علماؤنا المحترمون ، شبابنا الأعزاء ، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .


الآية التي تلوتها في أول الخطبة تشير إلى قاعدة هامة في الإسلام و التي تعتبر من أساس الدين و الديانة ، أصل القرآن و الإسلام و هي (الحب و البغض) ، (التولي و التبري) ، (الولاية و البراءة) .


روي عن أبي بصير عن إمامنا الباقر (ع) قال: “نزل القرآن أربعة أرباع ، ربع فينا ، و ربع في عدونا ، و ربع سنن وأمثال ، و ربع فرائض و أحكام” ، وقال أيضا (ع): “هل الدين إلا الحب و البغض” ، على هذه الروايه و روايات كثيرة في البحار و الكافي و بصائر الدرجات ، نلاحظ بُنيَ أساس الإسلام على الحب و البغض .


روي عن الإمام الصادق (ع) حين سألوه هل الحب و البغض من الإيمان ؟؟ و أجاب (ع) و هل الإيمان إلا الحب و البغض ثم تلى هذه الآية {وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات:٧) ، عن أبي عبدالله (ع) قال: “ثلاثٌ من علامات المؤمن ، علمه بالله ، و من يحب ، ومن يبغض” .


فمفتاح علوم أهل البيت الحقيقية شيخنا الأوحد أحمد بن زين الدين الإحسائي (قدس سره) ، في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة في فقرة (من جحدكم كافر) يقول: لأن حبهم و الإتباع لهم و الإقتداء بهم جمع جميع أنحاء الإيمان و الإسلام فلم يخرج عن ولايتهم شيءٌ منهما كما أن عداوتهم و خلافهم قد جمعا جميع أنحاء الكفر و أحواله لا يخرج عنهما شيء منه بل ليس للكفر معنى في الحقيقة إلا عداوتهم و مخالفتهم ، لأن العارف بولايتهم يعاين هذا رؤى العين فليس لله معصية إلا معصيتهم ولا طاعة إلا طاعتهم ولا معرفة إلا معرفتهم .


و إلى ذلك يشير قوله (صلى الله عليه و آله) ليلة أسري إلى السماء قال الجليل جل جلاله إلى أن قال تعالى “و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و أهل الأرضين ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع و يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ، ما غفرت له حتى يقر بولايتكم” .


في المناقب الحديث الخمسون ، عن عبدالله ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) “من عرف حق علي زكى و طاب ، و من انكر حقه لُعن و خاب أقسمتُ بعزتي و جلالي أن أُدخل الجنة من أطاعه و إن عصاني ، و أقسمتُ بعزتي و جلالي أن أُدخل النار من عصاه و إن أطاعني” ، لذلك نستنتج أن عداوتهم لا تجتمع مع التوحيد و الإسلام و الإيمان و الإقرار بالبغض في قلبٍ واحد ، لأن الكون منحصر في الحق و الباطل ، و الحق منحصر في آل محمد (ع) و في شيعتهم .


الحق فيكم و منكم و إليكم و أنتم أهله و معدنه ، و الباطل منحصرٌ في أعدائهم و أعداء شيعتهم و هياكلهم و أتباعهم .


روي عن أمير المؤمنين (ع): “ما بال أقوام غيرو سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عدلوا عن وصيه ، لا يتخوفون أن يَنزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ} (إبراهيم:٢٨) ، ثم قال: نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده و بنا يفوز من فاز يوم القيامة” .


يشير شيخنا الأوحد (أعلى الله مقامه) ، و الكفر على خمسة وجوه كما في حديث الصادق (ع): “الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه ، 

  • كفر الجحود وهو على وجهين : الحجود بالربوبية و هو قول من يقول لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة و الدهرية و هم الذين يقولون وما يهلكنا إلا الدهر ، 
  • و الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد استقر عنده و قد قال الله عز و جل {وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ} (النمل:١٤) ،
  • و الثالث من الكفر كفر النعمة قال تعالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:٧) 
  • و الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز و جل به وهو قول الله عز و جل {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (البقرة:٨٥) ،
  • و الخامس كفر البراءة و عليه قوله تعالى في قول إبراهيم (ع) لقومه {كَفَرْنا بِكُمْ} (الممتحنة:٤) ،


و يثبت أن هذه الوجوه الخمسة في حق عدوهم ترجع إلى كفر الجحود ، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد استقر عنده و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً ، و يستفاد من هذا التعبير أن الإيمان له حقيقة واقعية غير العلم و اليقين ، و يمكن أن يقع الكفر جحوداً و إنكاراً بالرغم من العلم بالشيء ، و بعبارة أخرى إن حقيقه الإيمان هي الإذعان و التسليم في الباطن و الظاهر للحق ، فبناءاً على ذلك إذا كان الإنسان مستيقناً بشيء ما إلا أنه لا يَذعن له في الباطن أو الظاهر فليس له إيمان بل هو ذو كفر جحودي و هذا موضوع مفصل و نكتفي هنا بهذه الإشارة .


 مع الأسف الشديد نرى هذا الإنكار من بعض الحساد من العلماء الذين ينكرون المقامات العالية للشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الإحسائي (قدس سره) ، وهم يؤمنون في قلوبهم بمقامات الشيخ (قدس سره) ، و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً ، فعلينا أعزائي ، شبابي ، أن ندافع عن هذا المظلوم بالكتابة و الخطابة و نشر آثاره القيمة بشكل ميَسَّر و ملخص ، يستخدمها الجميع و نوضح شقوقه و نخلصه من الإتهامات الجائرة الواردة عليه ، ولله الحمد نرى بعض الفعاليات القيمة من جانب بعض مشايخنا و فُضلائنا و الآخرين في هذا المجال ، أيدهم الله تعالى بحق محمدٍ و آله الطاهرين .


{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} (الصف:٨) 


في الخاتمة نذكر علماؤنا الماضين الذين أدبونا بآداب أهل البيت (ع) و قدموا لنا معرفتهم بقدر الإمكان ، منهم جدي المقدس الإمام المصلح و العبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، و عمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، ووالدي المجاهد المظلوم آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي (قدس سرهم الشريف) ، و شهداء تشييعه ، و شهداء الصلاة و الصيام ، و الشيخ عبدالله نجم المزيدي ، و شيوخنا الذين عرَّفونا على أهل البيت عليهم السلام .


اللهم عجل فرجه و سهل مخرجه و اشفي مرضانا و ارحم موتانا و سلم ديننا و دنيانا بحق محمدٍ و آل محمد الطيبين الطاهرين ، و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .