سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
هذا عطاؤنا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ} (يس:١٢) لما كان الله لا يُدرَك بأي حال ولم يمكن الاتصال به بالمباشرة لعدم المجانسة فقد أرجعك الله إلى مخلوق مثلك رحمة منه بالمكلفين ، هذا المخلوق المأمور بالرجوع إليه له قابلية تحمل شئونات جميع الخلق وفي كل العوالم ، كما أن له قدرة الإحاطة والتدبير بحكمة وعدل الٰهيين لأنه بيت علمه تعالى ويده التي تعطي وتمنع وجنبه الذي من فرَّط فيه ندم ولسانه الناطق وعينه في عباده ، إنه ولي الله الأعظم .. الإمام .. سلطان الدنيا والآخرة .
مولى له الجنات مأمورة
والنار من إجلاله تفزع
فولي الله الأعظم عليه الصلاة والسلام عالم لا يجهل ومعصوم لا يكذب ومسدد لا يخطئ ومؤيد لا ينزف وناصح لا يغش وحكيم لا يتجاهل وذاكر لا ينسى ومتيقظ لا يغفل ومتوسم لا يهمل ، لأنه وتد الأرض المثبت لها ، والجبل الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها {وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل: ٦٨-٦٩) فالنحل في التأويل هم الشيعة الذين أمروا أن يتخذوا من ولاية الولي سكناً يستريحون عندها و يلجؤون إليها ويستأنسون بها.
وقد أوجب تعالى على خلقه اتباعهم اتباعاً كاملاً ، فظاهرهم أئمة مفترضو الطاعة ، وإيمانك يعتمد على طاعتهم والاقتداء بهم والرد إليهم والأخذ عنهم والتسليم لهم والتفويض إليهم ، وهذه حدود التوحيد وهو الإيمان بهم قلباً وقولاً وفعلاً ، وكلما نقص منها شيء نقص حد من حدود التوحيد ، لأنهم أفنوا أنفسهم في خدمته تعالى فظهر فيهم فعل الله ، فكل ما عندهم بالله وفي الله ولله ، وهذا ما لا تدركه العقول التي تقصر أمام عظيم قدرة الله ، لذلك جعلهم الجليل ذكره الذي لا يقبل من العباد عملاً إلا به ، فإذا اقترن ذكرهم بالعمل تمم النقص ومحق الظلمة فصار عملك نوراً خالصاً ، ومن غفل عن حبهم وولايتهم فقد خسر خسراناً مبيناً {وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف: ٣٦) .
وكما أن الله قد أودع وليه علم كل شيء فإن من استند في كل علومه على ولاية الولي فتح الله له أبواب كل العلوم فيعرف علم الشريعة والطريقة ثم علم الحقيقة .. يعرف علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة (ولكلٍ بقدره) ، فيظهر له من علومه ما فيه شفاء لجهل الناس ببركة إشراق أنوار الولي عليه ، وكلما كان تخلل النور أكثر في جزيئاته وأجزائه وقواه ومشاعره كلما كان عالماً أكثر لأنه خلص عما سوى الله ، وكما أن علم الإمام بحقائق الموجودات وأحوالها وآثارها هو علامة الإمامة هذا عطاؤنا فإن مراتب شيعتهم تترتب بقدر ما يحملون من علومهم .
وكما أنه تعالى قد قرن حبه بحب المعصومين (ع) فإنهم (ع) قرنوا حبهم بحب شيعتهم الحاملين لعلومهم فصار الإيمان الكامل يستلزم موالاة أوليائهم ومحبة محبيهم فقالوا في الزيارة الجامعة الكبيرة: “موال لكم ولأوليائكم” ، وقالوا: “محب لمن أحبكم ، مبغض لمن أبغضكم” ، فلكل زمان أولياء يرتضيهم ولي الله الأعظم يقومون في الأداء مقامه بما حملهم من علمه ، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَ الْجِبالَ أَوْتاداً} (النبأ:٦-٧) فهو تعالى يعلم ضعف خلقه الذي يحتاج إلى الظاهر احتياجه إلى الباطن عند غيبة وليه ، ولا باطن بلا ظاهر ، فأنت مأمور بالالتجاء إلى الجبل الظاهر أمامك وإلى القرى الظاهرة التي جعلها واسطة بين القرى المباركة وبين باقي الخلق ، فجعله ولي الله (ع) الراعي والمدبر لشئوناتك بأمر الله ، فقد أودعك أمانة في يد المؤتمن ، و دلك على من هو أهل لحفظ الأمانة ، واعلم أن هذا هو تكليفه ، أما أنت فتكليفك أن تقر له بما أولاه مولاه من الشرف بأن يكون يده ولسانه وعينه ومن اقتران طاعته بطاعته ومحبته بمحبته ، فأوجب عليك طاعته لأنها هي بعينها طاعة الإمام (ع) ، فلا تستكثر ولا تفكر على من أفنى نفسه في خدمة مولاه (ع) أن يمن عليه بهذا المقام ، وهذا غيض من فيض ، وهو قوله تعالى: {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} (ص:۳۹) .