المرجع الديني الكبير الإمام المصلح العبد الصالح
الحاج ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره
شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم و مبغضيهم و منكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين أمين رب العالمين .
لقد تلطف الحكيم جل وعلا رحمة واحسانا منه على هذا العبد فأوجب عليه صيام شهر رمضان ، وأمره في هذا الشهر بالحمية والامتناع عن مجموعة من الأشياء ، انه ينهي البطن عن الاسراف فى الأكل وتناول المحرمات ، والعين عن الخيانة والنطق والسمع من التكلم بالغيبة والبهتان أو سماعهما ، ومن التصدى للألحان المثيرة للشهوة ، واليد عن الظلم والتعدى والايذاء، والقلب والمخ عن الأفكار الخبيثة ، حتى يتعرف على المقام الانساني ، ويقترب من المنهج الكبريائي ويدنو من حقيقة ذاته ... وعن طريق هذه الرياضة الخفيفة خلال شهر كامل يريد الله تعالى أن ينتشل الانسان من حضيض الحيوانية الى أوج الانسانية، ويفصله عن أرض الوسواس الخناس ليلحق به إلى سماء الملائكة . أجل، فالطبيب الحاذق يهتم قبل وصف الدواء أو الطعام المناسب للمريض ، بمنعه عن الأطعمة المضرة والعادات البذيئة .
وهذا الانسان الجاهل المصاب بمرض الحيوانية ، والمرتكس في داء البهيمية ، والذي تهدد سيرته الكريهة انسانيته ، يجب في المرحلة الأولى أن يتجنب خصائص البهائم ثم يتحلى بالأخلاق الفاضلة التي هي بمنزلة الطعمة والدوية المفيدة لعلاجه . وهكذا توجد فيه العفة والأمانة والارادة والعزم ، والكرم والسخاء ، والصبر والحياء ، ومواساة البؤساء والمساكين وايثارهم على نفسه ... وهي نتائج قطعية للصوم . هذه هي الخطوات الأولى للعبادة والتوجه الى المحبوب ، والاشتغال بذكره ، وتلاوة القرآن : { وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } ( الإسراء ٨٢ ) .
وهكذا يتكامل تدريجيا ويرفع خطوة نحو التعالي والترقي .. واذا كان صائما حقا ، فانه يشرف في أواخر شهر رمضان المبارك من خلال نافذة الملك على عالم الملكوت الرحب ، ويطير من حضيض الناسوت محلقا نحو مقام الجبروت ، وهذا هو طريق السعادة !! والشقى هو الذي أستلت الشهوات ستارا سميكا على عينه ، فلم ينتبه لهذا العلاج القطعي ، فراح يرجح السلوك الحيواني على المنهج الانساني الذي يتكفل اصلاح نفسه . ولم يكتف بذلك بل ساقه الجهل والغرور الى الاستهزاء بالصائمين والمصلين والتالين للقرآن ... فذره يذوق الثمرة المرة لغفلته في الايام القليلة القادمة ، وانتظر ندمه على ما مضى منه ، حيث لا يفيد الندم شيئا ، ومن المؤسف أن أمثال هؤلاء لا يكتفون بجهلهم وغفلتهم عن حقائق الديان ، وحرمانهم من مزايا الحياة الحرة الشريفة ، بل لا يريدون الانفتاح على الحقائق والاستيقاظ من سبات الغفلة .
وأشد بؤسا من هؤلاء : الصائمون الذين يتحملون الجوع والعطش ، ولا يجنون من صومهم أية فائدة !! وذلك لانهم : اولا : غافلون عن الفوائد الخلقية والاثار المعنوية للصيام ، وحتى لو كانوا يعلمون بتلك الفوائد فانهم لا يعملون بعلمهم .
ثانيا : أنهم حيث يملأون المعدة ويحملون الأمعاء فوق طاقتها في السحور ووقت الإفطار والفترة الواقعة بينهما ، يفسدون الدم وأعضاء البدن ، ويهدمون بناء الجسد .. وهذا عكس ما كان يريده الدين الذي جعل شعاره : “ صوموا تصحوا “ ان الطفل الذى يمرن على الصيام من السن السابعة أو من حين تمييزه بين الخير والشر ، ويتدرب منذ الصغر على الصيام ويطلع على مزايا ذلك فانه يتعلم الصبر والحلم والصمود والثبات والاستقامة . وحين يصل الى سن البلوغ ، يكون فردا عفيفا حليما مستقيما ، محبا للخير … مفيدا لنفسه و مجتمعه .