سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
وسبقت رحمتي غضبي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
{إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (المؤمنون ١٠٩)
الإنسان .. هذا المخلوق العجيب الذي تتجلى فيه كل مظاهر قدرة الله عز وجل ، لأنه أعلى الكائنات رتبة.. وهو مجمع الكمالات .. وهو خليفة الله في أرضه مخلوق من جسد عنصري برزخي وهو معدن هذا الجسد ، وهو غير الجسد العنصري البشري المرئي المحسوس ، وهذا الجسد البرزخي هو الذي يظل مستديراََ في القبر ويحشر بعد تصفيته وهو الباقي الذي تنزل من باء بسم الله الرحمن الرحيم ، أما الجسد البشري فهو فان وهو كالثوب الذي ينزع بعد الموت ولكنه في الدنيا هو الحامل للجسد الحقيقي الباقي .
ويختلف ارتباط الجسدان من شخص لآخر ، فكلما صفّى الإنسان نفسه وزكاها كان ارتباط الفاني بالباقي أضعف إلى أن يصل حد أن يخلعه ويلبسه متى ما أراد ، فيكون أسهل عليه من خلع ثوبه عن جسده كما هو حال العلماء والعارفين والكمل من الخلق ، فيصلون إلى مرتبة طي الأرض وخلع الروح ويمشون على الماء والهواء وغيرها من خوارق الأمور.
فعلى هذا يكون المعصومين أسرع خلعاً لبشريتهم وأسرع غيبوبة عن الأبصار لأن أجسادهم كسبيكة الذهب الصافي والبشرية عليها كتعلق الغبار متى ما أراد المعصوم أن يجلوه تم له ذلك ، فالغبار لم ولن يؤثر في السبيكة ويبقى الذهب ذهباً ، أما سائر الموالين لأهل البيت (ع) فإنها سبيكة ذهب اختلطت بالنحاس أو بالفضة أو بما هو أدنى من ذلك ، ولكي تصفو هذه السبيكة من الشوائب فإنك محتاج لإذابتها من أصلها وتصفيتها مما يمازجها ، لأن الخلط مازج أصل السبيكة وأثر فيها ولم يكن فقط غبار ، عارض فطبايع البشرية مازجت ذلك الجسد النوراني البرزخي فاختلط النور بالظلمة ، ولكن هل تستطيع أن تفعل ذلك بنفسك من غير معين لك على ذلك ؟؟
لما كنت في أدنى تنزلاتك في قوس النزول هو هذه الدنيا الدنية علم الله ضعفك وعجزك عن الرجوع والسير في طريق العودة في القوس الصعودي بدون معين لأنك في أدنى حالات الفقر والعجز والذلة والاحتياج ، لذلك أمرك باللجوء إلى معادن رحمته ومواطن كرمه الذين كان الوجود كله زكاة ما أعطاهم ربهم من الخير والنعم وناداهم أن {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} (ص ۳۹) فكانوا عليهم السلام أولياء في التكوين والتشريع في كل جزئي وكلي ، بما لهم من قابلية ليست عند أحد من الخلق{ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} (النور٣٥) فصاروا يعطون لكل ذي حق حقه على حد من الحكمة والعدل الإلهيين٬.
{الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} (طه ٥) والعرش فيه كل ما يحتاج إليه الخلق من الخلق والرزق والحياة والممات ، وهم (ع) أركان العرش وحملته ، وقد قال تعالى (الرحمن) ولم يقل (الله) لأن إعطاءه لكل حق حقه كان برحمته ، ولم يكن لأحد من الخلق استحقاق لأي عطاء من الله عز وجل ، وهم (ع) محل تلك الرحمة فأعطوا لكل مخلوق ما طلب ، ولم يكن هذا الطلب لفظاً وإنما بما حمل من قابلية لا يشاركه بها غيره ، ثم اعتبروا (ع) هذا العطاء حقاً له ، وهم في هذا الأمر سواء مع البر والفاجر ومع الصالح والطالح والقريب والبعيد والشريف والوضيع .
وعلى هذا فإن الرحمة الإلهية نوعان : رحمة واسعة وهي التي تشمل جميع الخلق وهي على قسمين :
رحمة العدل وهي صفة الرحمن وهي للكل في الدنيا ، ورحمة الفضل وهي الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين وهي صفة الرحيم {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} (الأعراف: ١٥٦) أي المتمسكين بولاية أهل البيت والمتبرئين من أعدائهم ، فالتمسك بولايتهم تجعل الموالين غارقين في بحار من الرحمة في الدنيا وفي الآخرة ، ففي الدنيا يسددونهم إلى كل خير من الاعتقادات الصحيحة والأعمال الصالحة بأن يوردوهم حياضهم ، ويمدوهم بمدد خاص من خلال الدعاء لهم ، أما في الآخرة فهم أهل الشفاعة بحط الذنوب ورفع الدرجات ، فيعفون عن تقصيرهم ويضاعفون لهم حسناتهم بل وأنهم يشرقون بفاضل أنوارهم على سيئات المؤمنين فتتحول حسنات وهو مصداق قوله تعالى: {فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ} (الفرقان: ۷۰) .
فاعلم أيها المؤمن الموالي أنهم يعاملونك بالفضل في الدنيا ويعاملون الكافر بالعدل لعله يتذكر نعمة الله أو يخشى زوالها عنه إذا لم يشكر الله عليها ، لأنه بعلم الله أن السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه فضرب {بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ}(الحديد ١٣) ولم يكن هذا الباب إلا مولانا أمير المؤمنين (ع) فبولايته يسعد من يسعد ويشقى من يشقى ، ويبقى الميزان الإلهي الكوني : {قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (الأعراف ١٥٦)
اللهم صل على محمدٍ و آل محمد