سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
وأشرقت شمس الأوحد
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
{وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ} (الأعراف٤٣)
الحمد لله الذي فضل العلماء على سائر عباده فضل الشمس على سائر الكواكب ، وجعل تفاضلهم بقدر استقامتهم على الطريقة وتحملهم من الآثار والمراتب ، ورجح مدادهم على دماء الشهداء المجاهدين ، كما فضل المجاهدين على القاعدين ، فكان من أعاظمهم من حيث العلم والعمل والتقوى والآثار والكرامات وكثرة التابعين والمقلدين هو الحكيم الإلهي الكبريائي .. لسان العرفاء المتكلمين .. العماد الأقوم والنور الأتم .. فيلسوف العصر العالم بأسرار المباني والمعاني .. ركن المؤمنين الممتحنين .. آية الله في العالمين الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي (أعلى الله مقامه) .
المبطل لمخترعات الصوفيين و الشارح لمقامات الأئمة الطاهرين الذي شرب من حياضهم وترعرع في حدائق أسرارهم ، فلم يُعهد مثله في المعرفة والفهم وجودة السليقة وحسن الطريقة والأخلاق السنية والشيم المرضية وصفاء الحقيقة وحسن التعبير والفصاحة وخلوص المحبة والوداد لأهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقد فاز بالنصيب الأعلى وأصبح مفتاحاً لعلومهم وحاملاً لأسرارهم وناشراً لفضائلهم وقائداً ومعلماً لمخلصي شيعتهم ومدافعا عن حقوقهم ومظلوماً لأجلهم .
بالرغم من أن هذا العالم المتأهل الجليل الفاضل قد امتدحه جم غفير من أكابر علماء الشيعة المنصفين في رسائلهم وكتبهم إلا أنه في المقابل كان له حساد ومترصدون لم يتحملوا علمه وما بلغه من مقام دلت عليه آثاره العلمية والعملية ، لأن خوفهم على دنياهم .. غفلتهم عن الواجب .. ضعفهم ... انحطاط أفكارهم .. قصورهم عن معرفته ومعرفة علومه واصطلاحاته منعهم من رؤية الحق والإقرار به فتعمدوا إثارة الفتن وإيجاد الاختلاف بين المسلمين .
ويبقى العلماء العاملين المنصفين الناشرين لحروف الصراط المستقيم بين جموع المؤمنين يدافعون عن هذا المظلوم أداءاً منهم لوظيفة شرعية ، وبدافع من الإيمان الصادق والتمسك بولاية محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، وإيماناً منهم بوجوب عودة الحق إلى أصحابه ، وهذا لا يكون إلا بمعرفة مقاماتهم (ع) التي أخفاها الجهل زمناً من الأزمان .
فجاءوا يدعون إلى النظر الدقيق في آثار الشيخ الأوحد (قدس سره) ، فما من أحد يطلع بإنصاف إلا ويلحظ اعتماد الشيخ الأوحد (قدس سره) على الثقلين (القرآن الكريم وروايات العترة الطاهرين) وأن آراءه مطابقة لمذهبهم وإرشاداتهم ، مما جعله المتصدر في علم الشريعة والطريقة والحقيقة ، يقول عنه العالم المجاهد .. شهيد الفضيلة الميرزا علي بن موسى المعروف بـ (ميرزا آقا ثقة الإسلام التبريزي) : "كان (قدس سره) قليل النطق كثير الصمت ، لو نطق فبالحق ولو سكت فعن الباطل جامعاً بين الشريعة والحقيقة مرتاضاً زاهداً معرضاً عن الدنيا وأهلها ، ساعياً في إظهار ما أراده الله من التدبر في آيات الآفاق والأنفس ... واشتهر في الآفاق وسار ذكره مسير النهار ، فقصده السائلون من كل الجهات فسألوا عنه مسائل في مطالب شتى" .
إن إشراق شمس الأوحد (قدس سره) من أكبر نعم الله على عباده ، فهو الحبل الممدود بيننا وبين أنوار الميامين (ع) ، فلا يمكن الوصول إلى علوم الميامين (ع) والفوز بآثارهم والتمتع بما أمكن من أسرارهم إلا بالوسائط من العلماء العاملين الموالين المجاهدين والملتزمين بالتقوى والعدالة من زمان الأئمة الميامين (ع) وإلى يوم قيام قائمهم (ع) وعجل الله تعالى فرجه الشريف ، فبرز من بين أكابر هؤلاء العلماء الشيخ الكبريائي الأوحد الأحسائي (قدس سره) ، فكان ظهور شخصه وإشراق نوره عند اقتضاء صلاح الزمان والمكان والأشخاص والأعيان لذلك على حد من الحكمة والعدل الإلهيين ليحيى من حي عن بيّنه ويهلك من هلك عن بيّنة ، فبافتراق الناس في زمانه وبعد وفاته إلى فريقين .. مصدق ومكذب صار (أعلى الله مقامه) معياراً في تحمل أسرار أئمتنا المعصومين (ع) ، وقد أدى ما عليه من تكليف يحكي وحدانيته لله تعالى فقد قال : "ورأيت أنه يجب علي أن أروعهم بعجائب من المطالب ، أقول إني لما أردت هداية من سبقت له العناية بالنجاة لا يمكن ذلك مني في حق من عنده علم بشيء خصوصاً من تسمى نفسه بالعلم فإنه قد أنس بأشياء لا تقدر نفسه على مفارقتها" وما كان ذلك إلا نوع من الهجوم على النفوس المعوجة لتنفض عنها غبار الغفلة فتصحو وتميز الحق من الباطل ، فإن أقرّت به كان حجة لها وإن أنكرته كان حجة عليها .
{إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً} (المزمل١٩)