ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
لا إله إلا الله حصني
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
عندما مر الإمام الرضا بنيشابور استقبلته الأهالي وكلٌ يتمنى أن يكون له الشرف في نقل حديث يرويه عن الإمام الرضا وأن يرد اسمه في سند الرواية فوقف ركب الإمام وأطل عليهم بوجه أنور من الشمس في رابعة النهار يكاد نوره يخطف الأبصار ، وقال لهم : حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن جبرائيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله عز وجل قال : "كلمة لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمن عذابي" . ولما تحرّك الركب توقف الإمام الرضا (ع) مرة ثانية وأطلّ عليهم قائلاً : “ولكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها” .
وهذا الحديث يسمى حديث السلسلة الذهبية ، وبنظرة سريعة إلى هذه الرواية فإننا نرى أن الإمام قد دل الخلق على طريق النجاة ، وإلى سبيل الله الذي أوجب اتباعه ، فأشار إلى أن التوحيد يؤمن صاحبه من العذاب ، ونجد أن غير العارفين يرون أن هذا أمر يسير ، ولكن العارف يعلم بأن التوحيد هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الفروع ومن بعدها الأصول ، وأنها ليست قول : (لا إله إلا الله) باللسان ومن ورائه قلبٌ منشغل بالدنيا وملذاتها حتى صار لا يذكر الله إلا ظاهراً ، بل لا يعلم ما معنى التوحيد وما شروطه ، وقد ذكر الإمام أن الشرط الرئيسي للتوحيد هو قبول ولايتهم عندما قال : "وأنا من شروطها" ، أي أن الاعتقاد بولايتنا أهل البيت شرط لقبول الله لتوحيد الخلق ، فغير المعتقدين بولايتهم لا يُقبل منهم توحيد ، لأن مراد الله من خلقه يدور الحديث حول ولايتهم .
فعلى الموحّد أن يعبد الله بطاعة أوامره ، وقد أمر الله الناس بالإيمان بنبوة محمد (صلى الله عليه و آله) فقال :
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ} (محمد:۳۳)
وأمرهم بولاية أمير المؤمنين فقرن طاعته بطاعته (ع) فقال :
{هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً} (الكهف:٤٤)
، والجمع بين الأمرين هو قوله في الآية الشريفة {وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ} (البيّنة:٥) ، فالموحد بتوحيده لسان حاله يقول : يا رب إني أعبدك بالاعتقاد بولاية علي (ع) التي أمرتني بها ولا شيء وراء ذلك ، فالله سبحانه وتعالى لم يكلف الخلق إلا بما يستطيعونه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها}(البقرة:٢٨٦) ، ولو أنه أمرهم بمعرفة ذاته لكان شيئاً مستحيلاً ، لذلك فقد أحال الخلق إلى جهة جعلها الجهة التي يقبل بها من العباد "ووجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء" أي الجهة التي تقبل بها على الله إذا أردت التوجه إليه ، لأن الله تعالى اصطنعهم لنفسه ثم صنع الخلق لهم أي لمعرفتهم وهو قولهم : "نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا" ، فالخلق مأمورون بمعرفتهم والأخذ عنهم والرد إليهم ولا شيء غير ذلك ، فطاعتهم هي بعينها طاعة الله لأن الله أجل من أن يرتبط مباشرة بالخلق ، والخلق لا يستطيعون الارتباط به إلا بالواسطة ، وفي الزيارة الجامعة يقول الإمام الهادي (ع) : "من أتاكم نجا ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون و عليه تدلّون" ، فكل توحيد لا يؤخذ عنهم فهو باطل ، و الأخذ عنهم يعني موالاتهم ، و موالاتهم أمر صعب مستصعب لم يأت بحقيقته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن .. فالكل مقصر في حقهم ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور، فلم يحتمل هذا الأمر إلا شيعتهم وهم الذين وصفهم الله بقوله : {وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ} (البقرة:٤٥) ، فالصلاة هي ولاية أمير المؤمنين (ع) والخاشعين هم الشيعة المخلصين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام "من أقام ولايتي فقد أقام الصلاة" فلم تشرع الصلاة ولا أي من العبادات على الحقيقة إلا لمعرفة حقيقة الولي .
فالله منّ على كل الخلق بمعرفتهم من العالم الأول ، فأعلمهم وأراهم الحق وهو الفطرة الأولى التي فطر الله الناس عليها ، ولكن المخالفين غيروا هذه الفطرة بأمر الشيطان بعد أن خالفوا ما عاهدوا الله عليه ، فالمخالفين من عالم الذر عُرض عليهم التوحيد فقبلوا وعرضت عليهم النبوة فترددوا ، ولما عُرضت عليهم الولاية أنكروا ولم يقبلوا ، وهو قوله تعالى : {وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (سبأ:٢٠) فقد علم إبليس أن الولاية لن يقبلها إلا القليل وهم شيعة أمير المؤمنين (ع) .
وعين ما حدث في ذلك العالم حدث في هذا العالم ، فالذين أنكروا هناك حملوا معهم الإنكار والكره والحسد لأهل البيت الذين ملَّكهم الله كل ما صدر من المشيئة لأنهم يستحقون ذلك ، وترتبت على ذلك مصائب لا تعد ولا تحصى جرت على أهل البيت (ع) .. كلها سهام نافذة في قلب الدين .. تكسر أضلاع الطاهرة وقودهم إمامهم أمير المؤمنين بنـجـاده ، وقتلهم الحسين ظمآناً بجنب الفرات وسم الأئمة واحداً بعد الآخر حقداً منهم لما ظهر من فضائلهم ، وما ظهر للخلق إلا كمقدار سم الإبرة مما أولاهم ربهم من كرمه ، وسيأتي اليوم الذي تمتلئ فيه الأرض قسطاً وعدلاً ببركة ولي الله الأعظم بعدما ملئت ظلماً وجورا ، فالجور ملأ الوجود في يوم واحد وهو يوم الدخول على الزهراء (سلام الله عليها) وغصب الولاية من الأمير (ع) ، فكل ظلم وجور من أول الزمان إلى آخره لا يعدل ما جرى في ذلك اليوم {وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء:٢٢٧) .