قل هو الله أحد

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


قل هو الله أحد


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمد وآل محمد


سورة التوحيد عظيمة وهي من الأمانات التي عجزت عن حملها السموات والأرض ، وقد سأل اليهود الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) فقالوا : انسب لنا ربك ، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم حتى نزلت سورة التوحيد والتي تسمى (نسبة الرّب) لما فيها من إعجاز لهم بحيث لا يبلغون المراد منها لأنهم يريدون منه أن يشير لهم على ربه كما أشاروا هم على آلهتهم .


فنزلت هذه السورة مشتملة على جميع الشؤونات الإلهية ومراتب التسبيح و التنزيه بما يمكن أن يقع في قالب الألفاظ ، لأن كل ما ورد في القرآن ما هو إلا وصف لأحوال وشؤونات الذات أي أنه مقام الأسماء والصفات والأفعال وليس مقام الذات البحث البات فالذات بلا حجاب الأسماء والصفات لن تتجلى في أي مرآة ولن تظهر في أي نشأة ولا في أي عالم ، ولما كان الكتاب التكويني طبق الكتاب التدويني ظهرت لنا تجليات الذات ، لذلك نقول كما قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) : "إلهي ما عرفناك حق معرفتك" وكما ورد عنهم (ع) : "كمال التوحيد نفي الصفات عنه" .


فالله في هذه السورة يأمر نبيّه بالقول أن الرّب المسؤول عن نسبته أي صفته والذي يظهر لهم بهم هو الدليل على الثابت المحتجب عن درك الأبصار والحواس والأوهام والعقول ، فالذي أدعوكم لعبادته واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله وفي عبادته أيضاً ، وقد وصف نفسه لهم بصفة فعله ، ولما كانت الصفات والأفعال متعددة المراتب قال أحد ولم يقل واحد لأن الواحد لا يستوعب تعدد المراتب ، فمعنى أحد هو البساطة والوحدة في حين أنه يعم جميع المراتب مع نفي مطلق الإشارة حتى لو كانت هذه الإشارة عقلية .


ويأتي الأمر أن (قل) وهو أمر صادر من الحضرة الأحدية على نسق كن ، يعني أمر متحقق ، أي قل أي كن يا محمد مرآة ظهور الأحدية في مقام أو أدنى الذي هو مقام الفيض الأقدس ، و(هو) مقام الألوهية وظهور الكامل المطلق المستجمع لصفات الجمال والجلال ، فالهاء تشير إلى ثابت ليس في جهة غائب عن إدراك الحواس الظاهرة والباطنة ولا تحويه الإشارة ، و الواو نفيه من الجهات الست من الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الكم و الكيف ، و مع هذا فهو موجود في غيبتك و في حضرتك {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} يراك في كل أحوالك لا تغيب عنه غائبة .


أما لفظ الجلالة (الله) فهو مشتق من لاه أي خفي ، و قيل من لاه بمعنى تحير ، لتحرير العقول في عظمته ، و قيل لاه بمعنى غاب لأنه لا تُدركه الأبصار ، و قيل بمعنى بعُد ، و قيل من أله بمعنى أقام بالمكان لأنه لا ينتقل ولا يتغير ، و قيل بمعنى سكن لأن الخلق يسكنون إلى ذكره ، و قيل من الإلٰهية و هي القدرة على الإختراع .


فقوله تعالى : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها بيان التوحيد الخالص وهو مقام الحق لا الذي خلق فيه ، وقد أثبت الجليل في هذه السورة المقامات الثلاثة لتجليات الأسماء و ظهوراتها مع أنها في غاية البساطة والوحدة في الحقيقة ، فهو في مقام الظهور (الله) وفي مقام البطون (أحد) ، وأما في مقام الفيض الأقدس (هو) ، لذلك من كرر قراءة سورة التوحيد ثلاثاً فكأنما ختم القرآن لأن في كل مرة تكون بإزاء ظهورات التوحيد في عالم من العوالم الثلاثة : الجبروت والملكوت والملك .


وأما الصمد فقد قال علي بن الحسين (ع) : "الذي لا جوف له والصمد الذي انتهى سؤدده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال" فالذي لا جوف له هو الذي لا مدخل فيه لغيره من وهم وعقل وخيال لعدم المماثلة والمشاكلة والمجانسة ، فنُنزهه عن صفات الإمكان بقولنا {اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ} وأما الذي انتهى سؤدده فهو الذي يحتاج إليه الكل ولا يحتاج إلى من سواه ، فهو الغني المطلق واحتياج الخلق له صفة كمال ، وهو الذي لا يحتاج إلى أي نوع من أنواع المدد الظاهري كالطعام والشراب أو المدد الباطني كالتعلم .


والذي لا ينام هو الذي لا يجري عليه السهو والنسيان ولا البدوات كالغضب والغفلة وما أشبه ذلك من صفات الأفعال ، والذي لم يزل ولا يزال هو الذي لا تتغير ذاته ولا تتبدل صفاته ولا تختلف حالاته ، وإلا لم يُؤمن عليه الإبادة إذا كان متغير الأحوال ، ولو كان ذلك كذلك لم يُعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق .


و قوله تعالى : {وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} و هي  الوحدانية البحت و التي فيها لم يكافؤه ولا يماثله ولا يعادله ولا يساويه ولا يخالفه ولا يضاده في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله أو في غناه وفاقة الخلق إليه أحد ، لا إله إلا هو الكبير المتعال .


ودعوى المشاركة في هذه الصفات شرك ، فما كان هناك محلاً لظهور هذه الصفات إلا الحقيقة المحمدية الحاملة لكل الصفات الإلهية من الجلال والكمال والقدس والبهاء وغيرها ،  فالذين ادعوا أن الله قد أشرك آلهتهم في صفته العليا وهي الحقيقة المحمدية (صلى الله عليه و آله) رضاً منه بذلك ، أو أنها تولدت من تلك الحقيقة أو أن هذه الحقيقة تولدت من هذه الآلهة فقد أشركوا شركاً مبيناً ، ونفي ذلك عن الله يحقق الوحدانية البحت بمحض البساطة والتفرد والوحدة ، فإذا وصف الله نفسه في القرآن بقوله : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يظهر ذلك في أعظم صفاته وتجلياته وهو النور الأقدس المحمدي لا غير ، فقوله : {نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فالأمر أعظم من مجرد التعليم باللفظ ، وإنما نبئهم بإشراق هذه الصفات الإلهية المودعة فيك عليهم ، وبذلك لا تصح أحديته تعالى إلا بعد نفي كل الصفات ما عداهم فتظهر أحديته أحدية حقيّة (لا إله إلا الله) وهو قوله (ع) : "اعرفوا الله بالله" ، لأنه "من عرفكم فقد عرف الله" وهذه هي حقيقة التوحيد في الخلق وهي آياتهم عليهم السلام لأنهم المثل الأعلى ولأنهم نور الله في السموات والأرض لما لهم من قابلية : {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ} .


هذا وصل اللهم على محمد وآل محمد