سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
ويعلمكم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
يقول تعالى في محكم التنزيل : {وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (البقرة:٢٨٢) فقه هذه الآية الشريفة يتطلب المعرفة بشقيها : تقوى الله ومعرفة العلم الإلهي ، أما التقوى فهو ميزان ذو كفتين امتثال الطاعات في كفة واجتناب المعاصي في الكفة المقابلة .. لا ترجح كفة على كفة ، وهذا بعينه هو الولاية لأولياء الله (ع) والبراءة من أعدائهم لأن الطاعات هي فرع الولي والمعاصي فرع أعداءه .
كما ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع): "نحن أصل كل خير ومن فروعنا كل بر ومن البر التوحيد و الصلوة و الصيام وكظم الغيظ عن المسيء ورحمة الفقير وتعاهد الجار والإقرار بالفضل لأهله ، وعدونا أصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم الكذب والنميمة والبخل والقطيعة وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حق وهي الحدود التي أمر الله عز وجل وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة وكل ما وافق ذلك القبيح ، وكذب من قال أنه معنا وهو متعلق بفروع غيرنا" فالعمل بالطاعات هو التولي واجتناب المعاصي هو التبري والجمع بينهما هو التقوى ، يقول تعالى : {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:٢٧) .
فالولاية هي أعظم تكليف إلهي صدر من الله تعالى للمكلفين ، ولأنه أعظم أمر إلهي على الإطلاق يعد تركه أكبر معصية على الإطلاق والإتيان به أكبر طاعة ، فلم يرخص الله تعالى في هذا الفرض بمثقال ذرة في حين أنه رخص في باقي الفرائض كالصلاة وغيرها ، وظاهر الولاية لهم هو إظهار المحبة .. وأدنى المحبة أن يميل قلبك إلى المعصومين (ع) وإلى مواليهم وينصرف عن أعدائهم وأولياء أعدائهم ، وأعلاها أن يشغل قلبه بذكرهم وبالصلاة عليهم والتسليم لهم والأخذ عنهم والتفويض إليهم ظاهراً وباطناً والاقتداء بهم في الأقوال والأفعال والاعتقاد والمعرفة حتى يكون ظهوراً لهم وهو قول أمير المؤمنين (ع): “كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا” ، لأنك أيها الموالي منسوب لهم في الذات والأقوال والأفعال ، فالموالي بحق هو الباحث عن الكمال بالاقتداء بالكامل ، يقول مولانا أمير المؤمنين (ع): “أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله” وهذا قوله عز وجل {وَ الْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ} فمن أراد الوصول إلى الكمال الذي خلقه الله له أبحر بسفينة ذات شراعين :
- شراع الإيمان وهو العقيدة الحقة المأخوذة عنهم (ع)
- وشراع العمل الصالح.
إذا مشيت في طريق الحياة بهذا الخط المرسوم منهم (ع) والمختوم بالختم الإلهي ارتقيت .. ثم ارتقيت لأنك رفعت عن نفسك حجب الظلمة فصرت ذا نفس ملهمة تستقي الصواب والاعتقادات الحقة والعلم من ربها لحظة بلحظة {وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها} (الشمس:٨،٧) ، وهذا يحتاج إلى المجاهدة في الالتزام بالواجبات والإجتناب عن المعاصي لترويض هذه النفس على الطاعة وحب الخير فتكون مسلمة وتصير أخت العقل ، فترك أداء الواجبات يعتبر غذاءاً للنفس الأمارة ولكنه غذاءٌ ضعيف لأنه يضعف جانب العقل ولا يقوي جانب النفس بشكل واضح ، وأما عمل المعاصي فهو غذاءٌ قوي لها لأنه يعمل في اتجاهين:
- يُضعف الضد في الإنسان وهو جانب الخير،
- ويقوي جانب النفس و الظلمة .
فإذا علمت أيها السالك أن النفس هي مبدأ الترقي في الإنسان الذي يوصل الإنسان إلى مرتبة حق اليقين تيقنت من الطريق وهو ترويض هذه النفس ، وهذا لا يكون إلا كما أعلمنا نبينا المصطفى (صلى الله عليه و آله): “وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس” ، أي أن النجائب الميتة لا تحملكم إليّ وإلى مدائن الزلفى ، وإنما تحملكم النجائب الحية والتي تكون بعد إماتة نفوسكم أي إلقائها ، لأن موتها ظاهراً عن الشهوات والملذات وحب الدنيا هو حياتها الحقيقية وهو قول أمير المؤمنين (ع): “موتوا قبل أن تموتوا” ، فإذا أحييتها بإماتتها فإنها ستكون محلاً لتلقي المدد والفيض ، فإن حياتها من فيضه ، وكيف تقبل فيضه وهي ميتة فوجب إحياؤها بقتلها أو إماتتها فتكون مصداقاً لوصف أمير المؤمنين للمتقين: “صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى” .
واعلم أن الكمالات التي تبحث عنها كلها مودعة فيك وأنت مفطور عليها ، فإذا أردت أن يتفجر الجمال والكمال والمحبة والعلم من جانبيك فتخلق بأخلاق مجردة عن البشرية وهو قول مولانا أمير المؤمنين (ع): “العلم ليس في السماء فينزل لكم ولا في الأرض فيصعد لكم العلم مجبول في صدوركم تخلّقوا بخلق الروحانيين يظهر لكم” ، فإذا تخلقت بالأخلاق العلوية ولم تلتفت إلى مطالب نفسك في التعامل مع الآخرين ارتقيت .. وعرجت إلى عليين وطفت مع الملائكة المقربين حول عرش الرحمن فتكون إرادتك إرادة الله ومشيئتك مشيئة الله لأنك صرت (منا أهل البيت) …
لله تحت قباب الأرض طائفة
أخفاهم عن عيون الناس إجلالا
هم السلاطين في أثواب مسكنة
داسوا على الفلك الدوار أذيالا