ما معنى الغلو و من هو الغال؟

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


ما معنى الغلو 

و من هو الغال؟


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله وصلى الله على محمدٍ و آله الطيبين الطاهرين.


الغلو في اللغة: بمعنى التجاوز عن الحد في الأمور.


والغلو في الدين بمعنى الاعتقاد (والعياذ بالله) بألوهية أحد القديسين أو أحد المعصومين عليهم السلام.


قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً} (سورة النساء:١٧١).


هذه الآية المباركة تفسر معنى الغلو في الدين، بأنه عبارة عن الاعتقاد بألوهية مبدء غير الله سبحانه. كما فعله كثير من النصارى المعتقدين بألوهية المسيح عيسى بن مريم أو الاعتقاد بالأقانيم الثلاثة.


 فالمستفاد من هذه الآية المباركة وغيرها من الايات والأحاديث المروية عنهم عليهم السلام هو أنه معنى الغلو في الدين عبارة عن الاعتقاد بألوهية وربوبية أحد مخلوقاته جل وعلا كما اسلفنا انفاً. 


وأما الاعتقاد بمقامات وفضائل والدرجات الرفيعة التي رتبها الله تعالى لمحمد وأهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين فليس بغلو بل هو من أصول العقائد التي يجب أن يعتقد بها كل من يدعي الإسلام والإيمان وهو النمط الأوسط والصراط المستقيم.


"هلك في رجلان محب غال ومبغض قال ......".


 فالمحب الغال: من يعتقد بألوهية أمير المؤمنين أو أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام. 


والمبغض القال: من ينزلهم سلام الله عليهم أجمعين عن مقاماتهم التي خصصها الله تعالى لهم دون غيرهم.


 فكلا الطائفتين هالك وفي النار، فكما أن الإعتقاد بألوهيتهم يوجب النار كذلك التقصير في درجاتهم العليا والإنكار لفضائلهم موجب للجحيم أعاذنا الله تعالى منها.


و من جمله تلك المقامات:

مقام الولاية الكلية الإلهية يعني التوسط بين الحق والخلق في التكوين. وفي هذا الضوء عن أمامنا الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة قال عليه الصلاة والسلام:

 "مَن أرادَ اللهَ بَدَأ بِكُم وَمَن وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنكُم وَمَن قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُم، مَوالِيَّ لا أُحصي ثَناءَكُم وَلا أبلُغُ مِنَ المَدحِ كُنهَكُم وَمِنَ الوَصفِ قَدرَكُم وَأنتُم نُورُ الأخيارِ وَهُداةُ الأبرارِ وَحُجَجُ الجَبَّارِ، بِكُم فَتَحَ اللهُ وَبِكُم يَختِمُ وَبِكُم يُنَزِّلُ الغَيثَ وَبِكُم يُمسِكُ السَّماءَ أن تَقَعَ عَلى الأرضِ إلاّ بِإذنِهِ……". 


فيجب الإعتقاد بأنهم عليهم السلام هم الوسائط الكبرى في ابتداء الخلقة وإنتهائها وهم الذين فتح الله بهم ويختم الأمور وهم معنى التوحيد المقبول عند الله وهم الوسائط في نزول الفيوضات والبركات وهم الرحمة الموصولة والاية المخزونة والأمانة المحفوظة وهم السبب الأعظم والوسيلة الكبرى الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:٣٥).


الإمام الثعلبي والحافظ أبو نعيم الأصفهاني والحافظ أبو بكر الشيرازي وغيرهم من المفسرين، قالوا: الوسيلة في الآية الكريمة هم محمدٍ وال محمد فالله تبارك وتعالى لحكمته البالغة جعل لكل شيء سببا، كما جعل الأمين جبرئيل سببا لإيصال الوحي واسرافيل سببا للحياة وميكائيل سبباً للرزق وعزرائيل سبباً للموت والشمس سبباً للنور والماء سبباً للحياة ، والأشجار سبباً للثمار والنبات سبباً لشتى الأشياء، والأباء والأمهات سبباً للتوالد وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى،


فكذلك جعلهم الله عليهم السلام الأسباب العليا على الجميع وللجميع، فهم سبب الأسباب ووسيلة الوسائل التي تنورنا. 


فكما أن القول بأن: نزل جبرئيل على رسول الله بالوحي، أو يتوفانا عزرائيل أو يحيينا الماء، أو تنورنا الشمس، أو تثمرنا الأشجار ليس بغلو بل كل من له أدنى معرفة في الدين يعلم أنهم وسائط وليس لهم استقلال وكذلك إذا نسبنا هذه الأمور لهم عليهم السلام في نفس الأمر وقدر الإمكان فلا شيء فيه من الغلو بل هو العقيدة السليمة الخالية عن الإفراط و التفريط.


(ينابيع المودة)

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): "يا علي أكتب ما أملي عليك: الأئمة من ولدك بهم تسقي أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاهم وبهم يصرف الله عن الناس البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء، هذا أولهم وأشار إلى الحسن (ع) ثم قال وهذا ثانيهم وأشار إلى الحسين (ع) ثم قال والأئمة من ولده".


(الكافي)

 عن الصادق (ع) قال: "أبى الله إلا أن يجري الأشياء بأسبابها فجعل لكل شيء سببا وجعل لكل سبب شرحاً وجعل لكل شرح علماً وجعل لكل علم باباً ناطقاً ، عرفه من عرفه وجهله من جهله".


 ذاك رسول الله (صلى الله عليه و آله) ونحن ، والسلام على من اتبع الهدى.