سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ
ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله
في رحاب الأوحد
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
ورد عن مولانا أمير المؤمنين (ع): “هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة” .
لما كانت المعرفة أول الفرائض ونهاية الطاعات صار العلم هو محل الفخر والشرف والعلو، فما استحق نبي الله آدم أن يكون مسجوداً للملائكة إلا بما حمله الله من العلم، وعلم كل شيء ... من الذرة إلى الدرة ومن العرش إلى الفرش أودعه الله في صدور محمد وآل محمد (صلى الله عليه و آله). فمن أراد أن يفوز بآثارهم عليهم السلام لا بد له من الوسائط ، والتمسك بالأوتاد التي أودعها أهل البيت برحمتهم بين العباد في زمن غاب فيه الولي لحكمة إلهية (ليحيى من حي عن بيّنه ويهلك من هلك عن بيّنه) ، فما أعظم العلماء الذين استحقوا أن يحملوا هذه الأمانات بما لديهم من قابلية استعملوها في التقوى والعدالة والمجاهدة {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} (النور:٣٧-٣٨) .
و نحن نعيش في هذا الشهر ذكرى استشهاد عالم جليل من أعاظم العلماء بل فخرهم من حيث العلم والعمل والتقوى وبما خلف من آثار وكرامات تفوق الحد والوصف .. هو الشيخ الأعظم والعماد الأقوم والنور الأتم الجامع الأعم ركن المؤمنين الممتحنين مظهر الشريعة وشارح الطريقة بسر الحقيقة شيخنا الكبريائي الأوحد أحمد بن زين الدين الإحسائي (أعلى الله مقامه) ، الذي أخذ علومه من إشراقات معارف أهل البيت (ع) ، وأوقد ناره من تلك الشجرة المباركة الزيتونة التي لا شرقية ولا غربية فصار مفتاحاً لعلومهم وحاملاً لأسرارهم وناشراً لفضائلهم وقائداً ومعلماً لمخلصي شيعتهم، كما ورد عنه في مقدمة كتابه الفاخر (شرح الفوائد): (رأيت أنه يجب علي أن أروعهم بعجائب من المطالب لما أردت الهداية لمن سبقت له العناية بالنجاة) .
وزين الدين للنقبا باب
فليس يضل من قد كان أَمَّه
وقد أوضح من خلال كلماته في نفس الكتاب إلى أعظم نواحي التميز التي حباه بها ساداتنا العظام وموالينا الكرام محمد وآل بيته الكرام عليهم صلوات الملك العلام ، هذا التميز كان ظاهراً في كتاباته وبين حروف كلماته يلمسه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فقد قال (قدس الله نفسه الشريفة) (العلماء يأخذون تحقيقات علومهم بعض عن بعض، وأنا لما لم أسلك طريقهم وأخذت تحقيقات ما علمت عن أئمة الهدى (ع) لم يتطرق على كلماتي الخطأ ، لأني ما أثبت في كتبي فهو عنهم وهم (ع) معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ، ومن أخذ عنهم لا يخطئ من حيث هو تابع) فأشار بكلمات تعج بأنفاس سادات الوجود إلى حقيقة أزلية أبدية أن الفوز في الدنيا والآخرة هي في المتابعة المطلقة للميامين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، فتصل إلى مقام عظيم وتكون (منا أهل البيت) بالمتابعة مع المعرفة ، وهو قول مولانا أمير المؤمنين (ع): (لا تأخذ إلا عنا تكن منا) .
فإذا أردت أن لا تأكل ولا تشرب إلا طاهراً فاغترف غرفة بيدك من بحر علومهم فقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وارتقب فيض جودهم تُفتح لك أبواب الأسرار بكرمهم ، فلقد خاض ابنهم والشارب من حياضهم الأوحد الإحسائي كل نواحي العلم .. الحكمة .. الفلسفة .. الفقه .. والآداب والفنون وغيرها بسفينة تجري بين خضم الأمواج بريق الإمام الحسن المجتبى الذي ارتشف منه الكمال والجمال والبهاء وبقي إلى آخر لحظة يسبح في ذلك النور .
فبعد أن تحقق وعده سبحانه مع هذا العالم الجليل {وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} (العنكبوت:٦٩) صار سراجاً منيراً لكل طالب حق ، فأذهل العقول بعلم انتهله من حوض الكوثر {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} فابتهج المنصفون لما أراهم من الحق ، في حين إمتلأت بعض القلوب غيرة وحسداً خدرت الحس الواعي في الفطرة حتى صارت ترى الحق باطلاً والباطل حقاً ، ولكن ظهر ما بين الفئتين ما ملأ الخافقين .
فيا أيها المنكر لمقامه المنيع ، كيف تنكر قدرة الله تعالى في خلقه؟ والقرآن يخاطبك {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ} وقد شاء الجليل أن تُفتح أبواب الحقيقة والأسرار لمن جاهد في سبيله حق المجاهدة فصار محلاً لدعاء النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله): “اللهم أرني الأشياء كما هي” ، ولله في خلقه شئون تجل عن تناول العامة من الخلق ، لذلك يقول تعالى في محكم التنزيل: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ} (الأنبياء:٢٣) .
فمن شك فيه فهو آثم قلبه ، فلينظر في آثاره فإن آثاره تدل عليه ، فإن له ١٦٠ كتاب و٥٥٠ جواب المسائل معضلة {سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ} (سبأ:١٨) قد ذكر فيها ما لم يجر في خطاب إلا بالإشارة والتلويح يفهمها أهله ، ولن تكون من أهله إلا إذا أكلت زادهم ووردت موردهم لتفهم مرادهم ..
إن كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا
وإن لم يك فهم فتأخذه عنا
فليس إلا ما ذكرناه فاعتمد
عليه وكن في الحال فيه كما كنا
لتعلم أن الأوحد (هو الهادي ، هو المهدي ، هو النور، هو المعيار في حب الأئمة) إنه الأوحد .. وانقطع الخطاب .
هذا و صل اللهم على محمدٍ و آله الطاهرين.