وابتغوا إليه الوسيلة

سماحة الحكيم الالهي والفقيه الرباني المولى

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


وابتغوا إليه الوسيلة


بسم الله الرحمن الرحيم


 اللهم صل على محمد وآل محمد


الوجود سلسلة متصلة الحلقات ليس هناك طفرة أو فجوة أو خلل في ارتباط حلقاته بعضها ببعض ، فكان لا بد أن يكون بيننا وبين الله واسطة لعدم المجانسة بين المخلوق وخالقه ، فوجهك إلى حيث الوجه الذي يرتضيه فقال : {وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (المائدة:٣٥) وقال: {وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها} (البقرة ١٤٨) فالواسطة محل معرفة الله ومحل محبته ، ولم يأت بتمام المحبة إلا الأطهار محمد وآله الأبرار (صلى الله عليه و آله) ، فحازوا أعلى رتبة في الوجود وصاروا هم المثل الأعلى لله المظهر لكل الصفات الإلهية التي أراد خلقه أن يعرفوه بها ، فإذا أردت أن تعرف أن الله نور السموات والأرض فانظر لهذا المثل فقد قال النبي الأعظم (ص) :أنا منذر هذه الأمة وعلي هاديها ، فهم المعلم الأول والهادي والمدبر لشئونات الخلق بما يصلح أمورهم .


وإذا أردت أن تعرف أن الله يداه مبسوطتان فاعرفها من خلال ذلك المثل ، فبهم عرف الله وبهم عبد الله ولولاهم ما عرف الله ولولاهم ما عبد الله ، فبهم بسط الله الرحمة لعبادة كافة .. الصالح والطالح ، المؤمن والكافر ، البر والفاجر ، فبهم أعطى كل ذي حق حقه وساق إلى كل مخلوق رزقه على حد من الحكمة والعدل الإلهيين ، فقد بدأ الله خلقه بأشرفه على الإطلاق وهو النور الأقدس للأطهار محمد وآله الأبرار (ص) ، وائتمنهم على جميع ما استوى به من رحمانيته على العرش وأمرهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، فأدوا الحقوق إلى الخلق (لكل بقابليته) ، وباعتبار هذا العطاء ترتبت مراتب الخلق .. الأشرف فالأقل شرفاً ، و الكل يشهد لهم و يسبح الله بهم {وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (الإسراء:٤٤) ، فمن حاز على العطاء أولاً كان له أسبقية الوجود كالأنبياء والمرسلين ، وبذلك وجب أن يكون واسطة بين المبدأ وبين من دونه من الخلق ، فالوساطة مطلوبة لعلو مقام المعصومين ، فلم يكن لجميع الخلق قابلية أخذ المدد بالمباشرة ، فالأنبياء كانت تبلغ عنهم (ع) إلى أقوامهم وتعرفهم تكليفهم في هذا الوجود وهو معرفة أهل البيت (ع) لأنهم علة الوجود ، وغرض الله من خلقه يدور على ولايتهم ، وكانوا يفيضون على كل بقدره .


ولكن أعظم الأنبياء كان لأعظم الأمم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ} (الجمعة:٢) ثم ينتقل الأمر بالوصاية لأمير المؤمنين و للأئمة من بعده واحداً بعد الآخر ، فطبقاً للحكمة الإلهية لا بد من وجود الحجة قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق لأن تكليف الحجة من الله هو تعليم الخلق و هدايتهم و تدبير أمورهم لأنه أعلم بهم من أنفسهم ، فهو الذي شهد خلقة الخلق من العالم الأول و علم ما يصلح أمورهم ، فصار ييسر لكل مخلوق الوصول إلى ما قدر له من السعادة و الشقاوة اعتماداً على قابلية المخلوق . 


قال عز من قائل{وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً} (النبأ:١٣) فالسراج الوهاج الوقّاد هو رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، و قال: {وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً} (النبأ:١٤) و هم الأئمة (ع) الذين يصبون علمهم صباً لمن تستحقه فيهتدي به الخلق في ظلمات البر و البحر ، فحاز الكمل و المخلصين على أعظم العطايا من العلم بأسرار الوجود و علم المنايا و البلايا و مكنون الخفايا فصاروا وسطاء بين أهل البيت (ع) و باقي الخلق ، يقول أمير المؤمنين (ع) : إن هاهنا (وأشار إلى صدره) لعلماً جما لو وجدت له حملة ، ميثم التمار .. رشيد الهجري .. سلمان المحمدي وغيرهم من الكمّل كانوا الحملة لعلم أمير المؤمنين ، فوصلوا إلى مقام البيان والعيان بما أفاض عليهم من علمه بل صاروا ظهوراً لمولاهم .. يفيضون على الخلق بما أولاهم مولاهم من نعمة العلم والهداية ، وما كان علمهم تكلفاً لأنه بكرمه ألقى في قلوبهم العلم والفهم والنور : ليس العلم بكثرة التعلم والتعليم وإنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء ، وبهذه الصفات هم يتصرفون في الكون حيث شاءوا لأن مشيئتهم صارت مشيئة الله ، وهو تعالى يقول : {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:۸۲) وهم حملة صفاته ومظهر أفعاله ولكنهم لا يريدون إلا ما يريد ولا يشاؤون إلا ما شاء وهو لا يشاء إلا ما شاؤوا ولا يريد إلا ما أرادوا . 


فهل انتهى زمن الوساطة ؟ وهل كان هذا لعصر دون عصر ؟ أم أن زماننا يفتقر إلى من لهم قابلية أخذ المدد بالمباشرة من المبدأ الفياض ؟ وعلى هذا فهل يبقى سلمان و ميثم و رشيد شخصيات تاريخية نروي أحوالهم دون أن نعاينها ؟ 


إن لكل زمان سلمان .. فإذا كان الخلق محتاج إلى سلمان المحمدي في زمن رسول الله (ص) و محتاجون إلى مالك الأشتر في عهد أمير المؤمنين (ع) و محتاجون إلى هشام بن الحكم في عصر الإمام الصادق (ع) .. و محتاجون إلى الوسائط في عصور الأئمة واحداً بعد واحد ، فكيف لا يحتاجون إلى الوساطة في زمن غاب فيه ولي الله الأعظم (ع) ؟ و كيف يُفقد أمثال هؤلاء في أي زمان و في أي عصر و قد قلنا بوجوب عدم وجود الطفرة بين الخلق ؟


فانظر .. ثم دقق النظر .. فقد وفى بوعده من كان وعده حق و قوله صدق حين قال: (إنا غير مهملين لكم ولا ناسين لذكركم)  فقد أولاكم من عظائم نعمه بأن أودع بينكم علماء أجلاء بوجودهم يثبت الدين ، و بهم تعرف صاحب هذه النعمة بظهور صفاته فيهم ، و بهداهم يهتدي الخلق و بهم يحيى من حي عن بينة و يهلك من هلك عن بينة .. فكن من الشاكرين واحمد الله على نعمه ولا تكن من الغافلين .. فتهلك ..