أمير المؤمنين (عليه السلام)

سماحة الحكيم الالهي والفقيه الرباني المولى

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


أمير المؤمنين (عليه السلام)


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمد وآل محمد


يقول تعالى في محكم التنزيل : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ .  فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً....} .


نتساءل هل البيت المذكور في الآية الشريفة هو الكعبة ؟ ولكن متى كان بيت الله الحرام آمناً لكل من دخله . 


يذكر لنا التاريخ و قائع قتل حصلت في الحرم المكي بجانب الكعبة ، مثل قتل الزبير وغيره بل أن البيت نفسه تعرض إلى الهدم أكثر من مرة ، فكيف يقول القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} .


كما أن القرآن يذكر أن ذلك البيت مباركاً وهدى للعالمين ، والعالمين هو كل مخلوق في هذا الوجود ، فمتى كانت الكعبة قبلة يهتدي بها كل ما خلق الله ؟


إذاً هذا البيت ظاهراً هو بيت الله الحرام وباطناً هو بيت أعظم حرمة من ذلك البيت ، إن هذا البيت له مواصفات معينة فهو بيت وضع للناس كافة وبابه مفتوح لكل من طلب وأراد الدخول ، ثم أن هذا البيت خلقه الله قبلة لكل الخلق ، الكل يتوجه إليه من حيث فقره وحاجته إليه ، فهو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد من الخلق والخلق كلهم محتاجون إليه لأنه هو الظاهر بالغنى المطلق .. ذلك المخلوق الذي لم ولن يولد أحد قبله ولا بعده في ذلك البيت .. الظاهري وهذه أعظم إشارة تشير على كعبة الوجود وقبلة كل موجود لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .


ذاك هو سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين خليفة رسول رب العالمين ومبيد المشركين وخير الصالحين وأولى الناس بالمؤمنين شفيعنا في يوم الدين ، نور المشارق والمغارب وسهم الله الصائب مردي الكتائب ومظهر العجائب أسد الله الغالب ذاك مولانا علي بن أبي طالب (ع) .


فالبيت الحقيقي الذي يلجأ إليه الكل هو الولي المطلق صاحب الولاية الكلية الكبرى الذي هو قطب دائرة الإمكان والأكوان الذي تدور عليه رحى الموجودات .


وكما أن الصلاة لا تقبل إلا بتوجه البدن الظاهري إلى الكعبة فإن باطن هذا الأمر هو أن أي عبادة لا تقبل إلا بولاية أمير المؤمنين (ع) ، فالولاية هي شرط قبول الأعمال وتزكيتها وتتميم النواقص فيها بل أكثر من ذلك ، فإنهم يضاعفون حسنات محبيهم ويتجاوزون عن السيئات ويشرقون بفاضل أنوارهم على سيئات المحبين فتتحول إلى حسنات وهو قوله تعالى : {إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ} بولاية أمير المؤمنين التي تحمي المؤمن من بلاء الدنيا والآخرة ونحن نقول في الزيارة الجامعة «فاز من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم» .


فهو الملجأ والملاذ .. فلا يستجاب دعاء إلا به لأنه أفنى نفسه في حب الله وطاعته ولم يكن له أدنى التفات إلى نفسه ، لذلك اختصه الله لنفسه ، وجعله عينه في عباده ولسانه الناطق ويده التي يبطش بها .. وعهده الذي لا يضام وجنبه الذي من تمسك به فاز ومن تخلف عنه ضل وغوى من حيث أن ولايته ولاية الله فقال فيه عز من قائل : {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً} 


وعين ما يقال فيه يقال في أهل بيته الطيبين الطاهرين ، فالله خلقهم (ع) قبل خلق الأشياء وأنهى إليهم علم جميع الأشياء ، فهم أعلم بالخلق من علم الخلق بأنفسهم ، فلم يظهر شيء إلى عالم الشهود إلا وفيه شعاع من ذلك النور ، ذلك الشعاع هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها {صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} ، والتي ما حافظ عليها إلا الموالي ، أما المخالف فقد غير فطرة الله بأمر من الشيطان فصار باطنه ظلمة لا نور فيها ، و مع ذلك فالكل يلتجئ إليهم من جهة فقره من خلق و رزق و حياة و نمو و بقاء و طلب الأمن و استجارة و غيرها .


والآية الشريفة في صدر البحث تقول إن أول بيت وضع للناس هو ذلك المولود في أشرف بقاع الأرض على الرخامة الحمراء ، أي أن البيت الحقيقي لجميع الخلق هو بيت الولاية وهو الوطن الحقيقي لذلك قالوا (حب الوطن من الإيمان) وهو الرجوع إلى أحضان الولاية التي بدأنا منها لذلك كانت الصلاة في الحرم المكي كاملة دون قصر ، مع أن المسافر لا بد و أن يقصر في صلاته و لكن وصوله إلى هذا المكان إنما هو عودة إلى بيته الحقيقي لذلك وجب عليه إتمام الصلاة لا القصر .


وهذا الولي فيه آيات بيّنات وهذه الآيات هم الأئمة من ولده عليهم الصلاة والسلام ، ومقام إبراهيم هي الدعوة التي دعاها إبراهيم (ع) حين قال له الجليل : {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} ، فقال إبراهيم {وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي} قال : {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي أن الأئمة من ولد علي وفاطمة هم فقط الذين استحقوا أن يحصلوا على رتبة الإمامة لأنهم ما ظلموا أنفسهم ولا غيرهم قط ، ثم قال : {وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} وهم الأئمة الذين جعلهم الله كلمة باقية في عقبه وجنبهم عبادة الأصنام ، وهنا منتهى التجنب أن لا تطيع أحداً غير الله فمن عصى الله وأطاع غيره حتى لو كان ذلك الغير شهوة نفسه فقد عبد ذلك الغير أو جعله شريكاً مع الله ، يقول تعالى : {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ} .


ولكن الطريق الواضح والصراط المستقيم هو الولي ، ذلك النور المنزل مع رسول الله (ص) والذي قال فيه القرآن: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا} فالإمام نور بحت به يهتدي الخلق ويحيا {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ…}


فالأئمة هم الشمس المضيئة التي يهتدي بها الخلق ليبلغوا النجاة في الدنيا والآخرة . أما سیدهم وأميرهم الذي يميرهم العلم ميراً فهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب...


و انقطع الخطاب


هذا و صلّ اللهم على محمدٍ و آله الطيبين الطاهرين