خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
١١ ذو القعدة الحرام ١٤٤٦هـ
٩ مايو ٢٠٢٥م
مولد الإمام الرضا عَلَيْهِ السَّلامْ
بسم الله الرحمن الرحيم
السَّلامُ عَلى أَئِمَّةِ الهُدى وَمَصابِيحِ الدُجى وَأعلامِ التُّقى وَذَوي النَّهِى وَأَولي الحِجى وَكَهِفِ الْوَرِى وَوَرَثَةِ الأَنبياءِ وَالمَثَلِ الأعلى وَالدَّعوَةِ الحُسِنى وَحُجَجِ اللهِ عَلى أهلِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَالأُولى وَرَحِمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ....
أيها المكرمون وأيتها المكرمات، مشائخنا العظام، شبابنا الأعزاء، ضيوفنا المحترمون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يوافق الحادي عشر من شهر ذي القعدة، ذكرى ولادة الإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام فهو ثمرة من ثمرات رسول الله صلى الله عليه وآله، وفرع مشرق من فروعه.
أهنئكم بمولد شمس الشموس وأنيس النفوس الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، السلام عليك يا علي بن موسى الرضا المرتضى.
الحديث المعروف بحديث سلسلة الذهب، هو حديثٌ قدسيٌ شريف، رواه الإمام عليُّ بن موسى الرضا عليه السلام، عن آبائه الطاهرين عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبرائيل، عن الله عز وجلّ.
ولعلَ حديثُ سلسلة الذهب، هو أشهر الأحاديث المروية عن الإمام الرضا عليه السلام، لأنها رواية رواها العديد من المصادر الشيعية والسنّية، فهي رواية متواترة، ولا يمكن إنكارها بوجه من الوجوه، ولذلك اخترت في هذا اليوم المبارك، أن أقرأ لكم هذا الحديث الشريف، الذي فيه مسائل أساسيّة، وهامّة جداً، سأذكُرُ بعضَها إن شاء الله.
حديثُ سلسلة الذهب حديث في باب التوحيد وشروطه، وإنما وُصف الحديث بسلسلة الذهب، لأنَّ سلسلة رواته، كلّهم عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، ويصل إلى النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم.
لَمَّا وَافَى أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام نَيْسَابُورَ، وَ أَرَادَ أَنْ يَرْحَلَ مِنْهَا إِلَى الْمَأْمُونِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تَرْحَلُ عَنَا وَ لَا تُحَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ فَنَسْتَفِيدَهُ مِنْكَ؟! وَ قَدْ كَانَ قَعَدَ فِي الْعَمَّارِيَّةِ فَأَطْلَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولَ:
سَمِعْتُ أَبِيَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتَ أبِيَ عَليَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللّٰه عليه و آله يَقْولُ:
سَمِعْتُ جَبْرَائِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي قَمَنْ دَخَلَ حِصَنِي أمِنَ مِنْ عَذْابِي فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَانَا بِشُرُوطِهَا، وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا"
وهذا الحديثُ الشريفُ المتواتر، فيه نقاطٌ مهمة جداً، يجب أن أُشيرَ إليها.
أعزائي لاشك أنّ عقيدةَ التوحيد، هي أهمُّ مبدأٍ أكّدَ عليه القرآنُ الكريم، بحيث أنَّ مبادئَ تعاليم القرآن، وجوهرَ كلِ الأفكار، المطروحة فيه، مبنيّةٌ على التوحيد، وبدون فكرِ التوحيد، لا يمكن اعتبارِ عَقيدةٍ إسلامية وقرآنية، تبقى تعاليمُها مجرّدُ جلدٍ بلا مضمون.
ولذلك يمكن القول إنّ الإمام الرضا عليه السلام بإدارته، في مواجهة السّريّة، مع الحكومة العباسيّة، كجبهتي التوحيد والشرك.
أشار عليه السلام إلى نقطة، لا يمكن إنكارُها في بداية الحديث، وقد قَبَلِهُ المجتمعُ الإسلامي كلُّه، وفقاً لهذا الحديث.
فإنَّ أصلَ كلِّ الانحرافات والاختلافات، الناجمة عن خروج الأمّة الإسلاميّة، عن الاصل الاساسي في الإسلام وهو التوحيد.
وفي الواقع فإنّ الاعتراف بولاية أهل البيت عليهم السلام، هو شرطٌ للتوحيد الخالص.
نقرأ فى الزيارة الجامعةِ الكبيرة، "وبِمُوالاتكم تَمَّت الكلمة" وقال الشيخ الأوحد في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة.
وقال المرحوم المجلسي رحمه الله في شرح الروضة: "وبِمُوالاتكم تَمَّت الكلمة" أي كلمة التوحيد، كما قال الله تعالى : "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حِصْنِي، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي" فلما نقل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الخبر قال: "ولكن بشروطها وأنا من شروطها".
وهذه نقطة أساسية، أنّ التوحيد والدّين كلُّه يدورُ حولَ هذا المحور يعني ولاية أهل البيت عَلَيْهِ السَّلامْ.
ومن جانِب آخر، كما نعلم فإنّ عصرَ حياة الإمام الرضا عليه السلام، كان عصر ظهور الطوائف والانحرافات الفكريّة والعقائدية عند الشيعة مثل الإسماعيليّة والواقفيّة و قبلُها الزيديّة.
فالإمامُ الرضا عليه السلامِ ببيان الجملة "بِشُرُوطِهَا وَأَنَا مِنْ شُرُوطِهَا"، يُحذِّرُ كافةَ الأحزاب والفِرَق التي رَفَعت رايةَ المعارضة للإمام الكاظم، والإمام الصادق، وشخصِ الإمام الرضا عليهم السلام، وحتى قبل ذلك من انحرافهم، فمن يقبَلُ ولايةَ الإمام الرضا وإمامتَه، فإنه يعتقد بإمامة جميع الأئمة من بعده، إلى الإمام صاحبِ العصرِ والزمان عجل الله فرجه الشريف.
ففي الحقيقة قد مَنَعَ الإمامُ الرضا عليه السلام الانقسام، في الإيمان بأهل البيت عليهم السلام، وبَعدَ ذلك يَبدأ اعلانُ منصبِ ولايةِ وإمامةِ أهل البيت عليهم السلام، ويصل ذروتَهُ في الزيارة الجامعة الكبيرة للإمام الهادي عليه السلام.
عم وقد عاش الإمامُ الرضا عليه السلام، في عصرٍ ازدهرت فيه الحضارةُ الإسلامية، وكثرت ترجَمةُ الكتبِ اليونانية والرومانية وغيرُها، وازداد التشكيك في الاصول والعقائد، من قِبَلِ الملاحدة وأحبارِ اليهود، وبَطارِقةِ النصارى ومجسمةِ أهلِ الحديث.
وفي تلك الأزْمَة أُتيحت له عليه السلام الفرصة، للمناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهَر برهانُه وعلا شأنُه، ويقفُ على ذلك من اطّلع على مناظراتِه واحتجاجاتِه مع هؤلاء.
ولقد وقف الإمامُ الرضا كالسّد المنيع، في وجه الانحرافات الفكريّة والعقائديّة، التي أخذها علماءُ ذلك العصر، عن اليونانيين والرومانيين وسائرِ المناطق.
وهكذا نجا العالمَ الإسلامي من الانحرافاتِ الكبيرة، بفضل توجيهاتِ الإمامِ الرضا عليه السلام.
وقد تكررت هذه المسألة بنوع ما، في زمن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قدس سره الشريف، وفي عهد الشيخ، اتّبَعَ أكثرُ علماء الإسلام، فلاسفة اليونان، وغيرَهم في الحكمة، ولقد وقف الشيخُ عليه الرحمة أمامهم بكل شجاعةٍ، وقال: لن أسلك في الطريق الذي سلكتموه، وقد أدّىٰ هذا إلى ثورة في الحكمة الإسلامية.
وفتح باب الحكمة الاصيلة يعني حكمة الائمة المعصومين عَلَيْهِمْ السَّلامْ.
ولكن الحُسّاد لم يستطيعوا أن يتحملوا هذا التغيير فكفّروه.
ولكن في زماننا هذا ظهرت الحقيقة ببطء، "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِنُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".
الكافر هو الذي يستر الشيء ويُغَطَّه، ومنه سمّي الليل كافراً، لأنه يستر الأشياء، والزارع كافراً لأنه يُغَطّي الحبَّ في الأرض، ومنهم يُغَطّون علومَ الشيخ الأوحد، فمَثَلَهم في ذلك كمثلِ مَن يريد أن يُطفِئُ شعاعَ الشمس، أو نوَر القمر، بنفخة وهذا لا سبيل إليه.
والله الحمد والشكر، دافعَ آباؤُنا وأجدادُنا، عن هذا الرجل العظيم، ووقَفوا في وجه المكذّبين.
وعلينا الاستمرار في هذا الطريق، على الرغم من المشكلات والمصائب.
في هذا اليوم الميمون، نذكر أسلافنا وأجدادنا، منهم آية الله المعظم الميرزا موسى الحائري الإحقاقي، وعمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي، والإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي، ووالدي المظلوم وأستاذي، ومرشدي آية الله المعظم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي، خادم الشريعة الغراء، وشهداء تشييعه، وشهداء جامع الإمام الصادق عليه السلام.
اللهم عجل لوليك الفرج، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وسلم ديننا ودنيانا، بحق محمد وال محمد الطييين الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته.