- هناك اعترافات صريحة من أساطين العلم ، وكبار العلماء ، بأنَّ علياً (ع) ، مؤسس ، ومبتكر كل العلوم ، بعد رسول الله (ص) ، وإليه يعود أصل كل علم ، إليك بعضها:
١- ابن أبي الحديد المعتزلي (۱) ، في مقدمة شرحه لـ (نهج البلاغة ) (۲) ، قال:
«وما أقول في رجل تُعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرتها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها ، كل من برع فيها فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مـثــالــه احتذى …» (۱).
ثم جعل يذكر العلوم وأنواعها ، وإرجاعها إلى علي (ع) ، إلى أنْ قال :
«ومن العلوم : علم تفسير القرآن ، وعنه أُخذ ، ومنه فُرّع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير ، علمت صحة ذلك ، لأنَّ أكثره عنه ، وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنه تلميذه وخريجه . وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط» (۲).
وفي الحقيقة ، إنَّ الذي ينظر في مقدمة (شرح النهج) لابن أبي الحديد ، ليفتخر ويتباهى ، أنَّ إنساناً عالماً مثله ، يحثه إنصافه ، ويدفعه ليقول قوله الفصل ، النابع من قلب معجب ، ومؤمن ، بفضل علي (ع) ، وموقعه العلمي ، فيقول:
«وهذا يكاد يلحق بالمعجزات ، لأنَّ القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ، ولا تنهض بهذا الإستنباط» (۳).
٢- «التفسير والمفسرون» : يقول مؤلفه الأستاذ محمد حسين الذهبي ، وهو أستاذ الحديث في (جامعة الأزهر) بـ(مصر) ، وله شهرة عالمية في تفسير القرآن ، وهو من المتعصبين لمذهبه ، ولكن لا تمنعه طائفيته من أن يقول في مقام علي (ع) ، العلمي ، وإحاطته بأسرار القرآن وعلومه:
«كان ، رضي الله عنه ، بحراً في العلم ، وكان قوي الحجة ، سليم الإستنباط ، أُوتي الحظ الأوفر من الفصاحة ، والبلاغة ، والشعر ، والعقل القضائي الناضج ، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأمور . وكثيراً ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفي ، واستجلاء ما أُشكل …».
إلى أن قال :
«جمع علي ، رضي الله عنه ، إلى مهارته في القضاء والفتوى ، علمه بكتاب الله ، وفهمه لأسراره ، وخفيّ معانيه ، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ، ومعرفة التأويل …» (۱).
٣- «ينابيع المودة» ، ينقل عن ابن طلحة الحلبي قوله:
«إعلم إنَّ جميع أسرار الكتب السماوية في (القرآن) ، وجميع ما في القرآن في (الفاتحة) ، وجميع ما في الفاتحة في (البسملة) ، وجميع ما في البسملة في (باء) البسملة ، وجميع ما في (باء) البسملة ، في (النقطة) التي هي تحت (الباء) . قال الإمام علي ، كرم الله وجهه ، أنا النقطة التي تحت (الباء)» (اهـ) (۲).
أقول : لنا في المقام شواهد ، وروايات كثيرة ، نذكر بعضاً منها:
٤- «المناقب» للخوارزمي (۱) ، و«مطالب السَّؤول» لابن طلحة الشافعي (٢) كلاهما عن «الدر المنظم» ، لابن طلحة الحلبي : عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال:
«سلوني عن أسرار الغيوب ، فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين» (۳).
٥ـ «ينابيع المودة» ، عن الإصبع بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) ، يقول:
«إنَّ رسول الله (ص) علمني ألف باب ، وكل باب منها يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، حتى علمت ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة …» (۱).
٦- «ينابيع المودة» ، عن ابن عباس ، أنه قال:
«أخذ بيدي الإمام علي (ع) ، في ليلة مقمرة ، فخرج بي إلى البقيع ، بعد العشاء ، وقال : إقرأ يا عبد الله فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم . فتكلم لي في أسرار الباء ، إلى بزوغ الفجر» (۲).
٧- «الفردوس بمأثور الخطاب» (۳) ، للديلمي (٤) ، و «كنز العمال» ، للمتقي الهندي (۱) ، وآخرون غيرهم ، رووا أنَّ رسول الله (ص) ، قال:
«أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب».
٨- «المناقب» (۲) لإبن المغازلي الشافعي ، و «المناقب» (۳ ) للخوارزمي ، وغيرهما ، عن عبد الله بن مسعود ، وكذلك محمد بن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» ، نقلاً عن «حلية الأولياء» (٤) : عن علقمة بن عبد الله ، كلهم عن رسول الله (ص) ، قال:
«قسمت الحكمة على عشرة أجزاء ، فأُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي» (٥).
۹- «المناقب» للخوارزمي ، و«ينابيع المودة» للحافظ سليمان الحنفي : عن أبي الصباح الكناني ، عن رسول الله (ص):
«أتاني جبرئيل بدرنوك من الجنة ، فجلست عليه ، فلما صرت بين يدي ربي ، كلمني وناجاني ، فما علمت شيئاً ، إلا علَّمتُه علياً (ع) ، فهو باب علمي»،
ثم دعاه إليه ، فقال:
«يا علي! سلمك سلمي ، وحربـك حـربي ، وأنت العلم فيما بيني وبين أُمتي» (۳).
١٠ـ «ينابيع المودة» للحافظ سليمان الحنفي : عن محمد بن علي الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بـ«الفتح المبين» ، عن أمير المؤمنين (ع) ، أنه قال:
«لو ثنيت لي الوسادة ، وجلست عليها ، لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم ، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم ، ولأهل القرآن بقرآنهم».
ولهذا كانت الصحابة ، رضي الله عنهم ، يرجعون إليه في أحكام الكتاب ، ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن:
«لولا علي لهلك عمر»
وقال (ص) : «أعلم أُمتي علي بن أبي طالب» (اهـ)(۱).
إنَّ هذه الأحاديث المسندة ، والصحيحة ، التي ذكرت على سبيل المثال ، لا الحصر ، والتي أيَّدها وصدَّقها كبار علماء العامة ، والخاصة ، تدل بوضوح على أنَّ الإمام علي بن أبي طالب ، وارث علوم رسول الله (ص) ، وعالم بجميع أحكام وأسرار القرآن الكريم ، والكتب السماوية كلها ، وإليه تنتهي كل العلوم والفنون ، ومنها علم التفسير والتأويل للقرآن الكريم ، وإنَّ هذا من المقامات العالية ، والمكانات السامية ، لدى أهل العقل والفهم.
وكما هو ثابت في محله ، من خلال الأدلة القوية القويمة ، التي ذكرنا بعضها في هذا الكتاب ، أنَّ الأئمة الأحد عشر من أولاد علي عليهم الصلاة والسلام ، هم ورثة علومه ومقاماته ، وأنهم نظراؤه في مقام الإمامة والولاية العامة الإلهية ، وفي غيرها من الشؤون العلمية والمعنوية ، ولا فرق بينهم وبينه فيها.