التفسير في اللغة (١) : كشف وتوضيح المعنى الواقعي للكلام ، ومنه قوله تعالى:
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (الفرقان : ۳۳).
وهو مأخوذ من مادة «فسر» بمعنى الكشف والتمييز . ويقول علماء اللغة : إنَّ كلمة «فسر» على قاعدة الإشتقاق الكبير (قانون القلب) ، أُخذت من كلمة «سفر» ، وهي في اللغـة بمعنى: الكشف ، مثل: أسفرت المرأة عن وجهها ، إذا كشفته ، وعلى هذا تفسير الكلمات ، يعني رفع الإبهام عن معاني الكلمات ، وتوضيحها ، بحيث لا يبقى شيء من الإبهام والإخفاء.
التفسير في الاصطلاح القرآني (۱): عند الإمعان والمراجعة لكلمات العلماء ، وأهل الفن ، في معنى التفسير ، نجد أن لهم آراء وتعريفات مختلفة ، وهي إن اختلفت في الألفاظ والصياغة ، فإنها ترجع كلها إلى معنى واحد ، ونتيجة واحدة ، تتلخص في العبارة الآتية: «التفسير هو علم يبحث في أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله عز وجل».
فإذاً موضوع علم التفسير ، هو الآيات القرآنية ، من حيث دلالتها على مقصود الله تعالى . والمفسّر هو الذي يستنبط مقصود الله ومراده ، من خلال آيات الله وكلماته.
ولو نظرنا إلى الموضوع نظرة مبسطة وواسعة نرى: أنَّ القرآن كتاب سماوي ، ومن عند الله ، عز وجل ، وكما يصف نفسه «فيه تبيان كل شيء» ، ومن حيث أنْ لا أحد في المجتمعات البشرية العادية ، حوى جميع العلوم ، وبشكل مطلق ، أمكن الإستنتاج:
إنه لا يمكن لأحد على الإطلاق ، من صدر الإسلام ، وإلى آخر الدنيا ، أنْ يفسّر القرآن بما هو ، وكما هو ، إلا «المعصوم» ، ولذلك لم يدَّعِ أحد أنَّهُ فسَّر القرآن تفسيراً مطابقاً لإرادة الله وعلمه …
وللحصول على تفسير كامل ، وجامع ، من غير المعصوم ، يجب أن يجتمع جميع العلماء ، وأصحاب الثقافات المتنوعة ، وأساتذة العلوم والفنون العليا ، ليبحث كل منهم من منظاره ، ومجال تخصصه ، في القرآن الكريم ، ثم يدوّن استنباطـاتـه ، واستنتاجاته ، ويستخرج ما يمكنه من الرموز والأسرار القرآنية ، ثم يُجمع ويُدوَّن جميع ما توصل إليه أولئك المتخصصون، وتُنسق المواد فيما بينها ، فعندها يمكننا القول : إنَّ لدينا تفسيراً قريباً للواقع ، ومتناسباً مع بحره الزخار ...
ولكن مشروعاً مقترحاً كهذا ، لم يحصل في تاريخ الإسلام ، ومن الصعب جداً تحقيقه ، من جهة الكمية والكيفية ، إذا لم نقل إنه محال ...
وعلى فرض حصول ذلك الإجتماع ، سيكون ما توصل إليـه العلماء من كشف رموز القرآن ، مطابقاً مع مستوى عقول عصرهم وزمانهم فقط ، لأنَّ العقول تتكامل ، وتتوسع آفاق العلوم ، على حسب تكامل العقول ...
وبذلك ستكون النتيجة المحصلة غير متلائمة مع القرآن الذي يواكب المجتمعات والخطوات العلمية في كل زمان …
وبناء على ذلك ، يجب أنْ نرجع في فهم القرآن وتفسيره ، إلى أولئك العظام ، الذين لديهم العلوم اللدنية ، والمعارف السماوية ، ويحيطون بعلوم العالم ، بما فيها علم القرآن وتفسيره … ولم تكن معلوماتهم محددة ومقيدة بزمان ومكان كغيرهم من العلماء العاديين ، فإنهم مؤيدون من عند الله ، عز وجل ، في فهمهم ، واستنباطهم ، واستخراجهم ، الكنوز القرآنية ، ولأنَّ القرآن كتاب سماوي وعالمي ، فلا بدَّ لمفسّره أنْ يكون سماوياً ، عالمياً ...
نعم لهؤلاء فقط الذين يستقون علومهم من نبعه الغيبي الإلهي ، أن يقوموا بهذه المهمة الخطيرة ، ويتحملوا هذه المسؤولية الشريفة.
وهؤلاء هم الذين عناهم الرسول الأكرم (ص) ، في حديث الثقلين المشهور (۱) بعترته وأهل بيته: علي بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء وأولادهما الأحد عشر ، عليهم الصلاة والسلام ، إنهم العلماء بالتفسير والتأويل ، وأسرار ورموز القرآن الكريم ، وهم الذين عيَّنهم النبي (ص) ، وجعل علوم القرآن فيهم ، ولا مناص من العودة إليهم ، واللجوء ، والإستمداد من كنز علومهم ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، وأمرنا بذلك ، بقوله:
«أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد المدينة ، فليأتها من بابها» (۲).
وعلى هذا فإنه لا يمكن الركون والإعتماد على تفسير للقرآن الكريم ، إلا أنْ يكون مؤلفه قد أخذ من علوم آل محمد (ع) ، واستند إلى أقوالهم ورواياتهم ، بل وليس لأحد أن يفسر القرآن متكئاً ومعتمداً على نفسه ، وعقله ، وعلمه ، ومهما بلغ من العلم ، إلا عن طريقهم ، وعلى طريقتهم ، فقد ورد عن الرسول (ص) أنه قال:
«من فسَّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار !» (۱).
فإذاً كل تفسير للقرآن ، لم ينبع من الأئمة المعصومين ، الذين هم أساتذة القرآن الواقعيين ، بعد الرسول (ص) ، لم يكن يعتمد عليه ، ولم يستند إليه ، عند علماء أهل الفن ...
والخلاصة : إنَّ القرآن الكريم لوحده ، وبغير الإستعانة والإستفادة من علوم آل محمد (ع) ، هو كتاب مبهم ، وغير قابل للدرك والفهم ، مع علمنا الناقص والمحدود.
وها هو النبي الكريم (ص) ، يقول:
«إني تارك فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسكتم بهما ، لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» (۱).
ومع هذا النص الصريح ، المتفق عليه لدى المسلمين كافة ، يتّضح أنَّ القرآن والعترة لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، وليس لنا أن نخوض في القرآن إلاَّ بالإستعانة بعلوم عليّ وأهــل بيته ، عليهم الصّلاة والسّلام ...
وبهذه المقدمات يتضح بطلان فرضية «كفانا كتاب الله !» (۲) التي أبدعها الخليفة الثاني ، ويثبت أنَّ الأساتيذ الواقعيين للقرآن ، المعينين من قبل الله ، عز وجل ، هم محمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، وهم الذين لهم صلاحية تفسير القرآن ، وقد بينوا علومه ، وتفسيره ، من خلال أحاديثهم ، ورواياتهم ، التي حملها إلينا حملة الأخبار والأحاديث من العلماء العظام ، أمثال: الشيخ الكليني (۳) ، والشيخ الطوسي (٤) ، والشيخ الصدوق (٥) ، وغيرهم أعلى الله مقامهم ، وأوصلوها إلينا.
وها هو مذهب الشيعة (مذهب أهل البيت) ، غني بكل العلوم من الأصول والفروع ، ولم يبين أهل البيت شيئاً في جزئيات المعـارف الإسلاميـة ، إلا وقد وصلتنا بالشكل الصحيح والكامل ، والحمد لله ربّ العالمين.