التأويل في الإصطلاح القرآني (۱): هو إرجاع اللفظ ، أو الكلام ، من معنى مرجوح غلط ، إلى معنى راجح ، صحيح ، بالأدلة الموجودة.
وقال البعض: إنَّ التأويل مأخوذ من «إيالة» بمعنى الجذب والشد ، والمؤوّل يشد الكلام إلى موضعه الصحيح.
- التأويل في القرآن الكريم: وردت لفظة التأويل في القرآن الكريم ، بمعان مختلفة ، نذكر بعضاً منها:
١- التفسير والتعيين:
في قوله تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّـهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (آل عمران : ٧).
٢- عاقبة الأمور ونتائجها:
قال عز وجل : {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء : ٥٩).
٣- الوقوع والتحقق:
قوله عزَّ من قائل : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} (الأعراف : ٥٣) .
٤- تعبير الأحلام:
قال عزَّ وجل : {وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ} (يوسف : ٤٤ ) .
ولا يخفى أنَّ المقصود من التأويل في كلام العلماء والمفسرين ، هو المعنى الأول : تعيين المعنى الواقعي.
- الفرق بين التفسير والتأويل:
١- التفسير في اللغة بمعنى الكشف ، والبيان ، والتوضيح والتأويل : بمعنى الإعادة والإرجاع.
٢- قال أبو عبيدة ، وجمع غيره: إنَّ التفسير والتأويل مترادفان ، وكلاهما بمعنى واحد (۱).
٣ـ قال الراغب الأصفهاني: التفسير أعم من التأويل ، والتفسير غالباً في الألفاظ ، ولكن التأويل يستعمل في المعاني ، و (التأويل) غالباً في الكتب السماوية ، ولكن (التفسير) يستعمل فيها ، وفي غيرها . و (التفسير) غالباً في الألفاظ المفردة ، ولكن (التأويل) يستعمل على الأكثر في الجمل ، و(التأويل) يستعمل في المعنى العام تارة ، وأخرى في المعنى الخاص ، مثل كلمة «الكفر» التي تستعمل بمعنى الإنكار المطلق مرة ، وأخرى بمعنى إنكار الله ، وكذلك مثل كلمة «الإيمان» ، من حيث استعمالها في التصديق المطلق ، كما تستعمل في التصديق بالله … وكذلك (التأويل) يعني المعنى المقصود من بين المعاني المشتركة ، مثل لفظة «وجد» المشتركة بين «الظفر»، و«الإيجاد»، و«الحب الشديد» ، وغيرها (۱).
٤- قال الماتريدي (۲) : (التفسير) : عبارة عن القطع واليقين في المقصود من اللفظ . و (التأويل) : ترجيح أحد الإحتمالات من دون القطع.
٥ـ قال أبو البقاء (۳) ، في الآية المباركة {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} ، (تفسيرها) : أنْ نأخذ «الميت» بمعنى البيضة ، و«الحي» الدجاجة ، و(تأويلها) : إنْ المراد من «الميت» : الكافر . والمقصود من «الحي»: المؤمن . أو «الميت» : الجاهل ، و «الحي» : العالم.
٦- قال البغوي (١) : (التفسير) : عبارة عن بيان أسباب النزول . و (التأويل) : إرجاع الآية إلى المعنى المحتمل صحته بحيث يوافق ما قبلها وما بعدها ، ولا يخالف سائر الآيات ، والأحاديث.
٧- قال أبو طالب الثعلبي (۱) : بيان ظاهر اللفظ ، من حيث الحقيقة والمجاز ، مثل تفسير «الصراط» بالطريق ، وتفسير «الصَّيب» بالمطر . ولكن (التأويل) : هو المعنى الباطني للَّفظ ، مثل الآية المباركة : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} ، فهي من حيث (التأويل) بمعنى : ينبغي عدم التساهل في أوامر الله ، وعدم التغافل عن حسابه.
٨- قال بعضهم : (التفسير) : توضيح ظاهر الآيات . و(التأويل) : الكشف عن باطنها ، ولبابها ...
٩- وقال البعض الآخر : إنَّ (التفسير) : هـو الـمـعـنـى المطابقي للآيات . و(التأويل) : هو المعنى الإلتزامي.
١٠- المحصّل من كل الآراء والأقوال المذكورة في تعريف (التفسير) ، و(التأويل) ، ويوافقه ظاهر الآيات القرآنية ، والأحاديث الشريفة عن أهل البيت (ع) ، أنَّ (التفسير) : عبارة عن توضيح الآيات المحكمات ، و(التأويل) : بيان الآيات المتشابهات ، بمعنى إرجاع المتشابهات إلى المحكمات (۲).
وبما أنَّ الأساس الأهمّ في علم تفسير القرآن ، هـو بيـان حقيقة (التأويل) ، وهدفنا الأصل في هذه المجموعة ، هو البحث في (تأويل) الآيات المباركة القرآنية ، ومن أجل التوضيح الكامل للموضوع وبسطه ، فإننا نعالج الآية المباركة السَّابعة من سورة (آل عمران) ، التي تذكر المحكمات والمتشابهات ، وكذلك (التأويل) ، وغيرها من المفاهيم القرآنية ، بشكل مفصل ، ونذكر الإختلافات الواردة في قراءتها ، وتفسيرها ، ونذكر القول الحق فيها ، وفقاً لما ورد عن محمد (ص) ، وآل محمد (ع) ، ليتسنى لك فهم الموضوع بشكل جيد ، ومن الله التوفيق ، وعليه التكلان: