إنَّ القرآن الكريم هو الكتاب السَّماوي المعترف به من قبلنا ، نحن المسلمين ، الذي أنزله الله تعالى ، لسعادة البشرية في الحياة الدنيوية والأخروية.
ومن حيث أننا التزمنا به كتاباً سماوياً ، ودينياً ، ونفتخر أن نكون من أُمَّته ، فلا بدَّ لنا أنْ نتعرف عليه ، بما يحويه من أحكام ، وعلوم ، وأسرار ، ورموز ، لنستفيد منه ، كل بقدر وسعه وفهمه ، ونطبق ما يوجبه علينا من تكاليف شرعية ، وهذا لا يمكن أنْ يحصل إلا بالممارسة لقراءة آياته قراءة صحيحة ، وتلاوة متقنة.
إنه من الجفاء ، وعدم الإنصاف ، أنْ نكون أتباعه في الإلتزام والإعتقاد ، ونعجز عن قراءته ، وتلاوة آياته ، وبديهي أنَّ إنساناً كهذا لا ينتفع بالقرآن ، لا في الدنيا ، ولا في الآخرة.
إنَّ الدين الإسلامي وقائده النبي العظيم (ص) ، نهض قبل أربعة عشر قرناً ، وفي ذلك الزمن الذي لم يكن لشعوب العالم نصيب من الثقافة والعلم ، نهض لتعليم أتباعه ، وتثقيفهم ، من خلال تشويقهم وترغيبهم بقراءة القرآن ، والتدبر والتعمق فيه ، لتقتلع بذلك جذور الجهل من بين الناس.
لقد أراد (ص) من خلال تشجيع الناس على قراءة القرآن ، أنْ يكونوا مجتمعاً ، مثقفاً ، واعياً ، بالإضافة إلى منافعهم المادية ، والمعنوية ، من ورائه … ولم نجد عقيدة أو ديناً حث الناس على التعلم ، والقراءة ، والكتابة ، كما فعل الإسلام!
إنَّ كل هذه الفوائد والفضائل ، كامنة في تعلم القرآن وقراءته!
إنَّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية (١) ، والعربية من أعلى وأغنى لغات الدنيا ، من حيث سعتها ، واحتواؤها على القواعد والقوانين الصحيحة ، والفصاحة ، والبلاغة ، واللطافة والعذوبة … ولها مقام الصدارة بين اللغات الأخرى ، إذن لو أن المسلمين (غير العرب) ، أصغوا لوصايا النبي المكرم (ص) ، والأئمة الطاهرين (ع) ، في تلاوة القرآن ، والتعرف على لغته ، وقواعده ، لتعرفوا على لغة عالمية - ولو بمقدار حاجاتهم الضرورية - ووحَّدوا لغة الإسلام ، مهما تغايرت قومياتهم ، وألوانهم ، وتقاليدهم الإجتماعية ، والعرفية ، فأصبحوا بذلك أمة واحدة بمعنى الكلمة.
وهذا بالتحديد ما انتبهت إليه الأمم المتمدنة في هذا العالم حديثاً ، مما جعلهم يندفعون إلى اتخاذ لغة واحدة عالمية ، موحدة ، يتعلمها جميع المسلمين ، فتسهل عليهم اللقاءات ، والإجتماعات ، والمؤتمرات.
إنَّ هذه الفكرة الحديثة هي التي سعى إليها النبي الكريم (ص) ، وفي تلك العصور الجاهلية ، وقبل ألف وأربعمئة عام ، وأسس أساسها ، وأمر باتباع هذا النهج ، والسير على هذا الأساس ، جميع أتباعه ، من العرب والعجم ، من خلال قراءة القرآن ، وتعلم قواعده ، وللتأكيد على ذلك ، جاء الأمر بالأذان والصلاة ، بالعربية فقط ، وعدم صحة أدائهما باللغات الأخرى!!
فلو التزم المسلمون بذلك ، التزاماً صحيحاً كاملاً ، بحيث صارت اللغة العربية هي اللغة الدولية الإسلامية ، لأسهمت اللغة في حل كثير من مشاكلهم الثقافية والإجتماعية.
نعم ، وللتأكيد على ذلك ، نضع بين يديك نماذج من الأحاديث ، والروايات ، الواردة عن قادة المسلمين ، في تشجيعهم وحثهم على قراءة القرآن ، وبيان فضلها:
١- (كتاب الوافي) : روى بإسناده عن الإمام الباقر (ع) ، أن رسول الله (ص) ، قال:
«من قرأ عشر آيات في ليلة ، لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية ، كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مئة آية ، كتب من القانتين ، ومن قرأ مئتي آية ، كتب من المجتهدين (الخاشعين - خ ل) ، ومن قرأ ألف آية ، كتب لـه قنطار من تبر» (۱).
۲- (كتاب الوافي) : بأسناده عن الإمام جعفر الصادق (ع) ، أنه قال:
«القرآن عهد الله إلى خلقه ، فقد ينبغي للمرء المسلم أنْ ينظر في عهده ، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية» (۲).
٣- (كتاب الوافي) : بأسناده عن الإمام علي بن الحسين (ع) ، أنه قال:
«آيات القرآن خزائن ، فكلما فتحت خزينة ، ينبغي لك أنْ تنظر فيها» (۳).