وهؤلاء تلقوها بالقبول ، وشهدوا على حقيتها ، لكنهم حاولوا معرفتها بالعقول ، ولم يستندوا فيها إلى آل الرسول (عليهم السلام) ، بباطن دعواهم بلسان أعمالهم ، إن ادعوا خلافه ، بظاهر مقالهم ، فجروا في بيان هذه الخطب مجرى الصوفية الملاحدة ، القائلين بوحدة الوجود . قال الملا محسن في قرة العيون:
(قال بعض العارفين : إذا تجلى الله بذاته لأحد ، يرى كل الذوات والصفات والأفعال ، متلاشية في أشعة ذاته وصفاته وأفعاله ، ويجد نفسه مع جميع المخلوقات ، كأنها مدبرة لها ، وهي أعضاؤه ، لا يلم بواحد منها شيء إلا وهو يراه ملماً به ، ويرى ذاته الذات الواحدة وصفته صفتها ، وفعله فعلها لاستهلاكه بالكلية في عين التوحيد ، ولما انجذبت بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات ، استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة ، وارتفع التميز بين القدم والحدوث ، لزهوق الباطل عند مجيء الحق ... إلى أن قال ... ولعل هذا هو السر في صدور بعض الكلمات الغريبة ، من مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة البيان ، وفي الخطبة الموسومة بالتطنجية ، وغيرهما من نظائرهما ، كقوله (عليه السلام):
(أنا آدم الأول ، أنا نوح الأول ، إلى آخر ما قال من أمثال ذلك صلوات الله وسلامه عليه…) (۱) انتهى كلامه.