حديث النورانية

 حديث النورانية

روي عن محمد بن صدقة أنه قال : سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي (رضي الله عنه) : يا أبا عبد الله ، ما معرفة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال: يا جندب ، فامضِ بنا حتى نسأله عن ذلك، قال : فأتيناه فلم نجده.


قال : فانتظرناه حتى جاء قال صلوات الله عليه: 

ما جاء بكما؟ 

قالا : جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية، 

قال صلوات الله عليه : مرحبا بكما من وليَّين متعاهدين لدينه لستما بمقصِّرين ، لعمري إن ذلك لواجبٌ على كل مؤمن ومؤمنة، 


ثم قال صلوات الله عليه: یا سلمان ، و یا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين ، 


قال (عليه السلام) : إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية ، فإذا عرفني بهذه المعرفة ، فقد امتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً مستبصراً ، ومن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب.


یا سلمان و یا جندب . 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين، 

قال (عليه السلام) : معرفتي بالنورانية معرفة الله عزّ وجلّ ، ومعرفة الله عزّ وجلّ معرفتي بالنورانية ، وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى: {وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (١).


يقول : : ما أُمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو دين الحنيفية المحمدية السمحة ، وقوله : «يقيمون الصلاة» فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة ، وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فالملك إذا لم يكن مقرباً لم يحتمله ، والنبي إذا لم يكن مرسلاً لم يحتمله ، والمؤمن إذا لم يكن ممتحناً لم يحتمله.


قلت : يا أمير المؤمنين ، من المؤمن وما نهايته وما حدُّه حتى أعرفه؟. 

قال (عليه السلام) : يا با عبد الله 

قلت : لبَّيك يا أخا رسول الله، 

قال : المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه بشيء ، إلا شرح صدره لقبوله ولم يشكّ ولم يرتب. 


اعلم يا با ذر ، أنا عبد الله عزّ وجلّ ، وخليفته على عباده ، لا تجعلونا أرباباً ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ، فإن الله عزّ وجلّ قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم ، أو يخطر على قلب أحدكم ، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.


قال سلمان : قلت : يا أخا رسول الله! ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ 

قال : نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ} (۱) فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة إقامة ولايتي ، فمنها قال الله تعالى: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} ولم يقل : وإنهما لكبيرة ، لأنّ الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين ، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون ، وذلك لأن أهل الأقاويل ، من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية ، يقرّون لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بينهم خلاف ، وهم مختلفون في ولايتي ، منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل. 


وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ} وقال الله تعالى في موضع آخر من كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ولايتي ، فقال: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (۲) فالقصر محمد ، والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها ، ومن لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا إنهما مقرونان. 


وذلك أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّ مرسل ، وهو إمام الخلق ، وعليّ من بعده ، إمام الخلق ووصيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي» وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد ، فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيّم كما قال الله تعالى : {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (۳) وسأُبيّن ذلك بعون الله وتوفيقه. 


يا سلمان ، ويا جندب. 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.

قال : كنت أنا ومحمد نوراً واحداً من نور الله عزّ وجلّ ، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يُشق ، فقال للنصف : كن محمداً ، وقال للنصف : كن علياً ، فمنها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا علي» ، وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة ، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال : يا محمد قال : لبيك ، قال : إنّ الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل عنك ، فوجَّهني في استرداد أبي بكر فرددته ، فوجد في نفسه ، وقال: يا رسول الله ، أنزل فيَّ القرآن؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي.


یا سلمان ويا جندب 

قالا : لبيك يا أخا رسول الله، 

قال (عليه السلام) : من لا يصلح لحمل صحيفة يؤديها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كيف يصلح للإمامة؟ 


یا سلمان ، ويا جندب ، فأنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنا نوراً واحداً ، صار رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمدٌ المصطفى ، وصرت أنا وصيَّه المرتضى ، وصار محمد الناطق ، وصرت أنا الصامت ، وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت . يا سلمان ، صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي ، وذلك قوله عزّ وجلّ : {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} (۱) فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وأنا الهادي. 


{اللَّـهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ} (۲). 


قال : فضرب (عليه السلام) بيده على الأُخرى، 

وقال : صار محمد صاحب الجمع ، وصرت أنا صاحب النشر ، وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار ، أقول لها : خذي هذا وذري هذا ، وصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرجفة ، وصرت أنا صاحب الهدّة ، وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عزّ وجلّ علم ما فيه.


نعم ، يا سلمان ويا جندب ، وصار محمد {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (۳) ، وصار محمد {ن وَالْقَلَمِ} (۱) ، وصار محمد {طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} (٢) ، وصار محمد صاحب الدلالات ، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات ، وصار محمد خاتم النبيين ، وصرت أنا خاتم الوصيين ، وأنا الصراط المستقيم ، وأنا النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، ولا أحد اختلف إلا في ولايتي ، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف ، وصار محمد نبياً مرسلاً ، وصرت أنا صاحب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله عزّ وجلّ : {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} (۳) وهو روح الله ، لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح ، إلا على ملك مقرَّب أو نبيّ مرسل أو وصيّ منتجب ، فمن أعطاه الله هذا الروح ، فقد أبانه من الناس ، وفوَّض إليه القدرة ، وأحيى الموتى ، وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إلى المغرب ، ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السماوات والأرض. 


يا سلمان ويا جندب ، وصار محمد الذِّكْر ، الذي قال الله عزّ وجلّ: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّـهِ} (٤) إني أُعطيت علم المنايا والبلايا ، وفصل الخطاب ، واستودعت علم القرآن ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحجة حجة للناس ، وصرت أنا حجة الله عزّ وجلّ ، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين ، لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب. 


یا سلمان و یا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين، 

قال (عليه السلام) : أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربي ، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي ، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي ، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي ، وأنا الذي أجريت أنهارها ، وفجَّرت عيونها ، وغرست أشجارها بإذن ربي ، وأنا عذاب يوم الظلة ، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجن والإنس وفهمه قوم.


إني لأُسمع كل قوم ، الجبارين والمنافقين بلغاتهم ، وأنا الخضر عالم موسى ، وأنا معلِّم سليمان بن داود ، وأنا ذو القرنين ، وأنا قدرة الله عزّ وجلّ.


یا سلمان ويا جندب ، أنا محمد ، ومحمد أنا ، وأنا من محمد ومحمد مني ، قال الله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} (۱).


یا سلمان ويا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين، 

قال : إنّ ميتنا لم يمت ، وغائبنا لم يغب ، وإنّ قتلانا لن يقتلوا.


یا سلمان و یا جندب، 

قالا : لبَّيك صلوات الله عليك، 

قال (عليه السلام) : أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ، ممن مضى وممن بقي ، وأُيِّدت بروح العظمة ، وإنما أنا عبد من عبيد الله ، لا تسمونا أرباباً ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر . لأنّا آيات الله ودلائله ، وحجج الله وخلفاؤه ، وأُمناؤه وأئمته ، ووجه الله ، وعين الله ، ولسان الله ، بنا يعذّب الله عباده وبنا يثيب ، ومن بين خلقه طهَّرنا واختارنا واصطفانا ، ولو قال قائل: لِمَ وكيف وفيمَ؟ لكفر وأشرك ، لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.


یا سلمان و یا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، 

قال (عليه السلام) : من آمن بما قلت ، وصدَّق بما بيَّنت وفسَّرت ، وشرحت وأوضحت ، ونوَّرت وبرهنت ، فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صدره للإسلام ، وهو عارف مستبصر ، قد انتهى وبلغ وكمل ، ومن شكَّ وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب ، فهو مقصّر وناصب.


یا سلمان و یا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، 

قال (عليه السلام) : أنا أُحيي وأُميت بإذن ربي ، وأنا أُنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي (عليهم السلام) يعلمون ، ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لأنّا كلنا واحد ، أولنا محمد ، وآخرنا محمد ، وأوسطنا محمد ، وكلنا محمد ، فلا تفرّقوا بيننا ، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا كرهنا كره الله ، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا ، وما أعطانا الله ربّنا ، لأنّ من أنكر شيئاً مما أعطانا الله ، فقد أنكر قدرة الله عزّ وجلّ ومشيئته فينا.


یا سلمان و یا جندب، 

قالا : لبَّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، 

قال (عليه السلام) : لقد أعطانا الله ربُّنا ما هو أجلُّ وأعظم ، وأعلى وأكبر من هذا كله!.


قلنا : يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجلّ من هذا كله؟ 

قال : قد أعطانا ربّنا عزّ وجلّ ، علمنا للاسم الأعظم ، الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض ، والجنة والنار ، ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ، ونغرّب ونشرّق ، وننتهي به إلى العرش ، فنجلس عليه بين يدي الله عزّ وجلّ ويطيعنا كل شيء ، حتى السماوات والأرض ، والشمس والقمر ، والنجوم والجبال والشجر ، والدوابّ والبحار والجنة والنار .. أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم ، الذي علمنا وخصَّنا به ، ومع هذا كله ، نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ، ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ، ونحن عباد الله المكرمون ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . وجعلنا معصومين مطهَّرين ، وفضَّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، فنحن نقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وحقَّت كلمة العذاب على الكافرين ، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. 


یا سلمان ويا جندب ، فهذا معرفتي بالنورانية ، فتمسَّك بها راشداً ، فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار ، حتى يعرفني بالنورانية ، فإذا عرفني بها كان مستبصراً ، بالغاً كاملاً ، قد خاض بحراً من العلم ، وارتقى درجة من الفضل ، واطلع على سرٍّ من سرِّ الله ، ومكنون خزائنه (۱).